وأقبل القاضي أبو الفضل بن الخشّاب يحرّض النّاس على القتال ، وهو راكب على حجر (١) وبيده رمح ؛ فرآه بعض العسكر فازدراه وقال : «إنّما جئنا من بلادنا تبعا لهذا المعمّم!» فأقبل على الناس ، وخطبهم خطبة بليغة استنهض فيها عزائمهم ، واسترهف هممهم بين الصفّين ، فأبكى النّاس وعظم في أعينهم.
ودار طغان أرسلان بن دملاج من ورائهم ونزل في خيامهم ، وقتل من فيها ونهبها ، وألقى الله النصر على المسلمين ، وصار من انهزم من الفرنج وقصد الخيام قتل.
وحمل التّرك بأسرهم حملة واحدة من جميع الجهات صدقوهم فيها ، وكانت السّهام كالجراد ، ولكثرة ما وقع في الخيل والسّواد من السّهام عادت منهزمة وغلبت فرسانها ، وطحنت الرّجالة والأتباع والغلمان بالسّهام ، وأخذوهم بأسرهم أسرى.
وقتل سرجال في الحرب ، وفقد من المسلمين عشرون نفرا منهم سليمان بن مبارك بن شبل ، وسلم من الفرنج مقدار عشرين نفرا لا غير ، وانهزم جماعة من أعيانهم.
وقتل في المعركة ما يقارب خمسة عشر ألفا من الفرنج ، وكانت الوقعة يوم السبت وقت الظهر ، فوصل البشير إلى حلب بالنّصر ، والمصافّ قائم ،
__________________
(١) الحجر : الأنثى من الخيل. القاموس.