فلما فرغ قيل له : «كيف تجد طعم الحديد؟» فقال : «قولوا للحديد كيف يجد طعمي» ، ولم يقرّ المجنّ مع هذا كلّه بدرهم واحد ، ولم يحصل للملك رضوان من ماله إلّا ما أقرّ به غلام أو جارية ؛ وذلك شيء يسير ، واستغنى جماعة من أهل حلب من ماله.
ولما طال الأمر على رضوان أشير عليه بقتله ، فأخرج إلى ظاهر باب الفرج من نحو الشّرق ، ومعه ابنان له شابان مقتبلا الشباب ، فقتلا قبله ؛ وهو ينظر إليهما ولا يتكلم.
ثم قتل بعد ذلك في سنة إحدى وتسعين ، وسلّمت رئاسة حلب إلى صاعد بن بديع ، ولما قدم المجنّ للقتل صاح بصوت عال : «يا معشر أهل حلب ، من كان لي عنده مال ، فهو في حلّ منه».
وكان ابن بديع من أولاد الدّيلم الّذين كانوا في أيّام سيف الدّولة ، وولد أبوه بحلب.
وفي سنة إحدى وتسعين وأربعمائة عصى عمر والي عزاز على الملك رضوان فخرج عسكر حلب وحصره ، فاستنجد بالفرنج ، فوصل صنجيل بعسكر كبير ، فعاد عسكر حلب فنهب صنجيل ما قدر عليه وعاد إلى أنطاكية ، وأخذ ابن عمر رهينة ، فمات عنده ، فوقع الملك رضوان على عمر إلى أن أخذه من تلّ هراق (١) فسلّم إليه عزاز وأقام عنده بحلب مدّة ، ثم قتله.
__________________
(١) انظر حوله الأعلاق الخطيرة لابن شداد ـ قسم حلب ـ ط. دمشق ١٩٩١ ج ٢ ص ٦٤.