وفي هذه السّنة ـ وهي سنة إحدى وتسعين ـ في جمادى الأولى عزل الملك رضوان وزيره أبا النجم هبة الله بن محمد بن بديع ؛ وولّى وزارته أبا الفضل هبة الله بن عبد القاهر بن الموصول. وكان أبو الفضل حسن السّيرة جوادا كثير المعروف والصّدقات ، ووافق ذلك شدة الغلاء والجوع بحلب ، حتّى أكلوا الميتات ، فأخرج غلّة كثيرة ، وتصدّق بها على النّاس.
وقيل : إنّه كان يخرج في كل سنة صدقة وبرّا ثلاثة آلاف مكوك غلّة سوى ما يطلقه لمن يسأله معونته من الوفود والضّيوف ، وغير ما يطلقه من العين والورق وغير ما كان يعتمد من افتكاك الأسرى من المسلمين.
وفيها قتل الملك رضوان رئيس حلب بركات بن فارس الفوعي المعروف بالمجنّ ، وكان هذا المجن أوّلا من جملة اللّصوص الشطّار وقطّاع الطّريق الذعّار فاستتابه قسيم الدّولة أق سنقر ، وولّاه رئاسة حلب لشهامته وكفايته ومعرفته بالمفسدين ، وكان في حال اللّصوصية يصلّي العشاء الآخرة بالفوعة (١) ، ويسري إلى حلب ويسرق منها شيئا ويخرج ، ويصلّي الفجر بالفوعة فاذا اتهم بالسّرقة أحضر من يشهد له أنّه صلّى العشاء بالفوعة والصبح فيبرئونه.
واستمرّ على رئاسة حلب في أيّام قسيم الدّولة وأيّام تاج الدّولة وبعده في أيّام رضوان ، وامتدّت يده وحكم على القضاة والوزراء ومن دونهم ، وهو الّذي قتل الوزير أبا نصر بن النّحاس في أيام قسيم الدّولة.
__________________
(١) الفوعة الآن من قرى محافظة ادلب وتبعد عنها مسافة ١٣ كم.