خلاط ، فلما بلغتهم الكسرة رحلوا عن البلد جافلين ؛ فاتبعهم المسلمون وتخطّفوا أطرافهم ، فلم يلو أوّلهم على آخرهم.
فمن عجيب الاتفاق ما حكى : أنّه كان لسعد الدّولة كوهرائين مملوك أهداه لنظام الملك ، فردّه عليه فجعل يرغبه فيه ، فقال نظام الملك : «وما ذا عسى أن يكون من هذا المملوك يأتينا بملك الروم أسيرا» ، مستهزئا به.
ثمّ رحل السّلطان إلى أذربيجان ، والملك في قيده ، فأحضره السّلطان بين يديه ، وسأله عن سبب خروجه وتعريضه نفسه وعسكره لهذا الأمر ؛ فذكر أنه لم يرد إلا حلب ، وكلّما جرى علي كان محمود السبب فيه والباعث عليه ، فقال : «اصدقني عما كنت عازما عليه أن لو ظفرت بي» فقال : «كنت أجعلك مع الكلاب في ساجور».
فقال السّلطان : «ما الذي تؤثر أن يفعل بك؟» فقال : «انظر عاقبة فساد نيّتي واختر لنفسك» فرقّ له قلب السّلطان ، فمنّ عليه ، وأطلقه ، وأكرمه ، وخلع عليه بعد أن شرط عليه أن لا يتعرّض لشيء من بلاد الاسلام ، وأن يطلق أسرى المسلمين كلهم ، وسيّره إلى بلاده ، وسيّر معه قطعة من العسكر توصله.
فلمّا انصرف ديوجانس إلى قسطنطينية خلعوه من الملك ، ولم يتمّ له ما أراد. وقيل : إنّه كحل ، ومات بعد مدّة. ولم ينقل أنّه أسر للرّوم ملك في الإسلام قبل هذا (١).
__________________
(١) جمعت أخبار هذه المعركة الحاسمة من مختلف المصادر عربية وغير عربية ، ومن ثم قمت بدراستها بموضوعية وتفصيل. انظر كتاب مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية ص ١٤٠ ـ ١٥١.