فلمّا يئس أهل القلعة من النجدة نزل رجل أسود يعرف بأبي جمعة ، وكان عريف المصامدة إلى المدينة ، وبقي أياما ينزل من القلعة ويصعد فأفسده سالم بن مستفاد وسليمان بن طوق.
فلمّا جاء ليطلع القلعة في بعض الأيّام تقدّم موصوف الخادم والي القلعة بردّ الباب في وجهه ؛ فصاح إلى أصحابه ، فالتفت المصامدة والعبيد في القلعة ؛ ووقع الصوت إلى أهل حلب ، فطلعوا إلى القلعة من كلّ مكان (١).
ودخلها ابن طوق وابن مستفاد ، يوم الاربعاء مستهلّ جمادى الأولى سنة ست عشرة وأربعمائة ، وقدم صالح بن مرداس حلب عائدا من كسرة الدزبري. فدخلها يوم السبت ثامن شعبان من السنة ، وقبض على موصوف الصقلبيّ وسديد الملك ثعبان ، وأبي الفضل بن أبي أسامة.
فأما ثعبان ففدى نفسه بمال دفعه إلى صالح ؛ وأمّا موصوف فضرب رقبته صبرا بين يديه. وأمّا القاضي أبو الفضل بن أبي أسامة فدفنه حيّا في القلعة.
ولمّا جدّد الملك العزيز أبو المظفّر محمّد بن غازي ـ رحمهالله ـ الدار الكبرى التي ابتناها بقلعة حلب ، وحفر أساسها ؛ وجدوا مطمورة فيها رجل في ساقيه لبنة حديد ، وهو جالس فيها قد دفن حيّا ولم يبق إلا عظامه ، وهو على هيئة القاعد فيها. ولا أشكّ في أنّه ابن أبي أسامة المذكور ؛ والله أعلم.
__________________
(١) انظر بشأن سقوط حلب لصالح بن مرداس ودور بيزنطة في ذلك كتابي إمارة حلب ص ٧٧ ـ ٨٠.