حصول الموت للعبد ورده إلى الله والميت مع كونه ميتا لا يمكن أن يرد إلى الله بل المردود هو النفس والروح وهنا موت وحياة ، فالموت نصيب البدن والحياة نصيب النفس والروح فثبت أن الإنسان ليس إلا النفس والروح وليس عبارة عن مجرد هذه البنية وفي قوله : (رُدُّوا إِلَى اللهِ) إشعار بكون الروح موجودة قبل البدن لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال إنما يكون إذا كانت موجودة قبل التعلق بالبدن ونظيره (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) (١) (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) (٢) وجاء في الحديث : «خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام». وحجة الفلاسفة على كون النفوس غير موجودة قبل وجود البدن ضعيفة وبينا ضعفها في الكتب العقلية ؛ انتهى كلامه وفيه بعض تلخيص. وقال أيضا : (إِلَى اللهِ) يشعر بالجهة وهو باطل فوجب حمله على أنهم ردّوا إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه ؛ انتهى. والظاهر أن هذا الرد هو بالبعث يوم القيامة إلا ما أراده الرازي ووصفه تعالى بالحق معناه العدل الذي ليس بباطل ولا مجاز. وقال أبو عبد الله الرازي : كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٣) فلما مات تخلص من تصرفات الموالي الباطلة وانتقل إلى تصرف المولى الحق انتهى كلامه. وتفسيره خارج عن مناحي كلام العرب ومقاصدها وهو في أكثره شبيه بكلام الذين يسمون أنفسهم حكماء. وقرأ الحسن والأعمش (الْحَقِ) بالنصب والظاهر أنه صفة قطعت فانتصبت على المدح وجوز نصبه على المصدر تقديره الرد الحق.
(أَلا لَهُ الْحُكْمُ) تنبيه منه تعالى عباده بأن جميع أنواع التصرفات له. وقال الزمخشري : (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) يومئذ لا حكم فيه لغيره.
(وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) تقدم الكلام في سرعة حسابه تعالى في قوله : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤).
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) لما تقدم ذكره دلائل على ألوهيته تعالى من العلم التام والقدرة الكاملة ذكر نوعا من أثرهما وهو الإنجاء من الشدائد وهو استفهام يراد به التقرير والإنكار والتوبيخ والتوقيف على سوء معتقدهم عند عبادة الأصنام وترك الذي ينجي من الشدائد ويلجأ إليه في كشفها. قيل : وأريد حقيقة الظلمة وجمعت باعتبار موادها ففي البر والبحر ظلمة الليل وظلمة السحاب وظلمة الصواعق ، وفي البر أيضا ظلمة الغبار
__________________
(١) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٨.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٤٨ وغيرها.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٤٣ ، والجاثية : ٤٥ / ٢٣.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٠٢ ، والنور : ٢٤ / ٣٩.