المصريين بعد أن يقيموا حينا بالأزهر الشريف يتلون القرآن ويقرءون الكتب الدينية. وقد علمت بعد التحرى أن معظم هؤلاء الحجاج من أهالى دارفور وبرقو. ولم أجد من نيف وأربعين حاجا تحدثت إليهم بإسنا واحدا قدم من كاتسينا [فى نيجريا] فى أقصى الغرب ، ولكنى وجدت منهم نفرا قدموا من ونقارة. ولعل لفظ «تكرورى» الذى يطلق على الواحد منهم نسبة إلى إقليم تكرور فى السودان. ويعرف الذين يقرءون ويكتبون بينهم «بالفقراء» ، وهو لفظ يطلق بصعيد مصر على العلماء كافة ، ويقصد به حفظة القرآن ، ممن يعرفون كتابة الأحراز والتمائم التى تبطل السحر وعمل الشيطان.
وبعد تسع ساعات ونصف وقفنا بالجسر الجنوبى لوادى سرس ، عند كوخ لبعض عرب القراريش ، وكانوا يقومون هم وأسرة من الأشراف على زراعة حقول قليلة من القطن والفول. فقدموا لنا عشاء من اللبن ، وأكدوا لنا أنهم لا يملكون خبزا ؛ بل إنهم لم يذوقوا طعمه من شهرين. فوزعت عليهم مكيالا من الذرة ، مشترطا ألا يقايضوا عليه بشىء آخر ، بل يصنعوا منه خبزا لهم ولنسائهم ، فقلما ينعم النساء بهذا الترف الذى يكاد يختص به الرجال من أزواج وإخوة. وما لبثت النسوة إثر هذه النفحة أن انطلقن جميعا بطحن الذرة بين حجرين من الجرانيت ، إذ لا يملك الرحى التى تدار باليد والتى يستعملها بدو جزيرة العرب غير سراة القوم. ثم صنعن خبزا كثيرا ، وظلت الفتيات يأكلن ويغنين طوال الليل ، وكثيرا ما كن يشاركننا حديثنا وسمرنا ، لأنه لم يكن يفصلهن عنا غير حاجز من أغصان الطرفاء. وغذاء القوم أوراق الفول وبذور الكركدان السوداء ، وهى فى حجم بذور الكزبرة. وينمو الكركدان بريا فى بطن الحجر ، ويزرع فى أنحاء من شمال النوبة. ويصنعون من بذوره المحمصة نوعا من القهوة لا بأس بطعمه ، ولكن العرب يؤثرون أن يصنعوا هذه البذور خبزا. كذلك تنتشر هنا السمكة ، وهى شجيرة قرنية تصلح غذاء طيبا للإبل ، وثمرها قرون كالبازلاء تحوى حبوبا وردية مستديرة قد تؤكل خضراء ، ويجمعها العرب ويجففونها ، ثم يغلونها جيدا ليستخلصوا منها زيتا يستعملونه بدل الزبد دهانا لشعورهم وأجسامهم.