وكرباجا فى يد الرجل ، وشعرا كثا بيضه بالدهن ، وسيخا خشبيا طويلا دسه فيه ليحك به رأسه ـ فقد اجتمعت لك صورة لا بأس بها لبدوى سواكن. ولهؤلاء البدو سحن معبرة ولحى خفيفة قصيرة ، وفى بشرتهم سمرة شديدة توشك أن تكون سوادا ، ولكنهم براء من السحنة الزنجية ، ثم إنهم يمتازون بالجسم القوى والعضل المفتول.
وليس للسواكنية مهنة غير التجارة سواء بالبحر أو مع السودان. وهم يصدرون السلع التى تأتيهم من القارة الإفريقية إلى شتى ثغور الحجاز واليمن حتى مخا ، ولكن أهم هذه الثغور جدة والحديدة. ولهم فى جدة حى خاص بهم ، ومساكنهم فيه أكواخ من الغاب كمساكنهم فى القيف. ومن البدو الحداربة من يمضى فى الرحلة إلى ساحل بلاد العرب بعد أن يؤم سوق سنار ، ومنهم من يبيع سلعه الإفريقية للتجار فى سواكن فيتولى هؤلاء تصديرها إلى بلاد العرب. ولا تقلع سفينة فى سواكن إلى جهة من ساحل بلاد العرب دون أن توسق ذرة من التاكة فوق ما وسقت من سلع شندى وسنار (وهى العبيد والذهب والتبغ واللبان وريش العنام) ، وتزود السفن معظم الحجاز بقرب الماء والجربان الجلدية والجلد المدبوغ. ويشترى القوم القرب فى حواضر الحجاز الكبرى ـ وهى خمس ـ وفى ريفه أيضا. أما الجربان فلا يشتريها غير البدو ، وفيها يحملون زادهم. ويغل الاتجار فى هذه السلع أرباحا طائلة ، فالماشية نادرة فى الحجاز لقلة المرعى ، وحجاج مكة يحتاجون إلى عدد كبير من القرب ، لذلك كان ثمن القربة المصنوعة من الجلد بجدة يعادل ثمن الشاة بسواكن. كذلك تصدر القرب إلى اليمن ولكن بكميات أقل ، وقد رأيتها معروضة بسوق السويس ، وهى تفضل سائر أنواع القرب لجودة الدباغة ومتانة الحياكة. وتدبغ الجلود كما تدبغ فى الصعيد ووادى النيل ، أعنى بالقرض ، وهو ثمر السنط الذى اشرت إليه غير مرة. ويبيع البدو المجاورون لسواكن الجلود فى سوقها لقاء الذرة. وفى بلاد العرب يصنعون النعال من الجلد المدبوغ وجلود الأبقار الخامة المصدرة إلى جدة ، ولكن أفضل ما يرد للحجاز من الجلود مجلوب من مصوع. كذلك تصدر سواكن السمن (١) إلى جدة. وفى موسم
__________________
(*) وهو سائل لا جامد ، ولا يستعمل فى السوان من الزبد سواه. ويصنعون الزبد كما يصنعونه فى مصر وبلاد العرب بخض اللبن فى القرب حتى ينفصل الزبد على حدة.