بالتركية ثم يفرغ جام غضبه على خدمه وأتباعه. وأذكر أن شجارا احتدم يوما بينه وبين بدوى فقال له الرجل وهو يتميز غيظا «أنت كذاب». وما إن بارح البدوى الغرفة حتى قال لى الأغا «أنت ترانى صابرا على هؤلاء القوم ، ولكنهم سيعلمون فى النهاية كيف تغضب حكومة الترك ؛ فإن انتقام الترك مريع إذا أثيرت ثائرتهم. ولقد كنت ، وما زلت ، أردعنهم غضب الترك ونقمتهم ، فإن حملة واحدة يرسلها الباشا كفيلة بأن نهدم المدينة كلها وتودى بحياة الكثيرين من الأبرياء». والواقع أنه لو لا توجس القوم فمن حملة كهذه تنقض عليهم من جدة بسهولة فتهدم بلديهم لما ترددوا فى خلع نير الحكومة والجهر باستقلالهم ، ولكن أحقر مركب حربى يستطيع أن يكره المدينة على التسليم. وقبل عشرين سنة أو ثلاثين أرسل أحد ولاة جدة فرقة قوامها مائتان من الجند نهبوا القيف ثم حاصرهم البدو فى بيت الحاكم وما جاوره من المبانى ولكنهم استطاعوا فى النهاية أن يفلتوا بما غنموا. وبعد أن فتح الوهابيون مكة أوفدوا مبعوثين إلى سواكن لإقناع القوم باعتناق الوهابية ولكن لم يؤذن لهم بالمضى فى رحلتهم إلى القيف واضطروا إلى ركوب البحر عائدين بعد حين. وقد سمح الوهابيون ـ حين كان زمام الأمور بيدهم ـ لأهل سواكن بالاتجار مع جدة ، ولكن سعودا زعيمهم رأى بمكة بعضهم وقد بيضوا بالدهن شعورهم الكثيفة فألزمهم تغطية رءوسهم بالمناديل على نحو ما يفعل البدو الأعراب.
ويشارك الحداربة وبدو سواكن البدو النوبيين سحنهم ولغتهم وزيهم ، ولباسهم من الدمور المجلوب من سنار ، ولكن سراتهم ـ رجالا ونساء ـ يلبسون القمصان النوبية المصنوعة من البفتة الهندية. على أنهم لا يرتدون إلا ثوبا واحدا ، وقل أن تجد لهذا نظيرا فى سائر أنحاء النوبة. ويتألف من قطعة طويلة من البفتة يلف أحد طرفيها حول الخاصرة ويلقى الطرف الآخر على الصدر والكتف اليسرى ويتدلى على الظهر تاركا الساقين وأكثر الجذع عاريا ، ذلك هو الثوب الفضفاض الذى يفضله الحداربة ، فإذا أضفت إليه خفين جميلين ، وثلاث تمائم كبار أو أربع كتلك التى يلبسها القوم فى وادى النيل متدلية على المرفق الأيسر ، وسيفا