الحج تعتمد مكة وجدة على سواكن ومصوع قبل غيرهما فى زادهما من السمن ، وتستهلكان منه المقادير العظيمة ، فجميع الطبقات تأكله ، وإن أشدهم فقرا لينفق نصف دخله اليومى ليحصل على قدر كبير من السمن يطبخ به غداءه ويشرب منه فى فطوره ربع رطل على الأقل. وحين كنت مقيما بجدة ارتفع ثمن السمن فوق ثمنه العادى بمقدار النصف لأن سفينتين محملتين من مصوع باعتا حمولتهما منه فى اليمن بدل أن تمضيا فى الرحلة إلى جدة. كذلك تحمل السفن الحصر المصنوعة من سعف الدوم ، ويأخذ كل مركب منها مقدارا ، وتستعمل فى جميع أنحاء الحجاز واليمن حيث الدوم نادر ، وحيث لا ينزل إلى كسب الرزق بالعمل اليدوى إلا القليلون. وتفرش أرض المساجد فى مكة والمدينة بهذه الحصر ، وتجدد كل عام تقريبا بفضل هبات الحجاج ، وقل من الحجاج من يبرح مكة بغير حصيرة سواكنية صغيرة مصنوعة صنعا دقيقا على هيئة سجادة يؤدى عليها فريضة الصلاة. ويصنع هذه الحصر البدو فى الجبال المجاورة لسواكن. ويصدر إلى جدة نوع صغير من المحار منتشر على السواحل الإفريقية ، ويأكله الأطفال وفقراء الناس على الأخص ، ويسمونه «السر مباق» ، ويزعمون أنه دواء للدوسنتاريا لما له من خواص قابضة. كذلك تصدر الذرة والقرب والحصر للحديدة ببلاد اليمن ، وهى أكبر سوق للجياد التى يجلبها تجار سواكن من وادى النيل. وقد قلت إن شريف اليمن شغوف بشراء الفحول الإفريقية يزود بها فرسانه. والجواد الذى يساوى فى شندى خمسة وعشرين ريالا يباع فى الحديدة بمائة أو مائة وخمسين ، ولكنها تجارة محفوفة بالخطر ، وكثيرا ما تنفق الجياد فى رحلة البحر لافتقارها إلى العناية الصحيحة التى لا تجدها على ظهر مركب ريفى صغير. وتنقل الهجن البشارية ـ وهى أنجب الهجن قاطبة ـ على المراكب الكبيرة إلى جدة ، فإذا وصلتها سالمة بيع الهجين منها بستين ريالا إلى ثمانين ، وهو ثمانية أضعاف ثمنها بسواكن. على أن نصف الهجن المشحونة على الأقل ينفق فى الطريق ، ويكلف نقل الهجين منها عشرة ريالات.
ويشترى تجار سواكن من جدة كل ما تحتاجه الأسواق الإفريقية من