محالة هالك جوعا لو سرقت بضاعتى. ولو استخدمت أحد هؤلاء الهمج دليلا لى لما أغنانى هذا فتيلا حتى ولو كان الرجل مخلصا لى وفيا ، لأنه كان يعجز عن ضمان سلامتى أكثر من يوم واحد ، أعنى لغاية حدود قبيلته ، وكنت عندئذ أقع بين أغراب لاهم لهم إلا نهب كل ما أحمل ، بينما تعوزنى وسائل الدفاع عن نفسى وأسباب التفاهم معهم ، لأن الناطقين بالعربية منهم قلة لا تذكر. فلعل أحدا لا يلومنى على نبذ هذه الفكرة فى وقت كنت أؤمل فيه بلوغ سواكن آمنا ، وهو أمل له ما يبرره. وقد سمعت فى التاكة أن سواكن ومصوع على بعدين متساويين من الحلنقة.
ولم يلحق بى وأنا بالتاكة أى أذى ، ولست أذكر أن حادثا مكدرا وقع لى. على أنه نمى إلى فيما بعد أننى كنت على وشك الوقوع فى بلاء كبير. ذلك أن عبدا كبيرا لأحد رفاقى بيت سرقة جملى وبيعه فى قرية قريبة ، ولست أظنى كنت قادرا على استرداده لو فعل. كانت جمالنا تساق كل صباح إلى الغابات لترعى تحت حراسة العبيد ، وكنت عهدت بجملى إلى غلامى يحرسه. وكانت بعض الجمال تسرق أحيانا فى أثناء نوم العبيد فى قيظ النهار ، ولو لا أن العبد الذى دبر سرقة جملى أسر بالأمر إلى آخر ، ولو لا أن هذا الآخر أبلغنى نبأ هذا التدبير لسرق جملى كما سرق إخوة له من قبل. وقد شكوت العبد إلى سيده فعنفه تعنيفا شديدا. ولم أترك بعدها جملى يرعى بعيدا ، بل كنت أحجزه داخل المخيم وأقدم له الذرة عليقا. ويتخذ التجار الحيطة مخافة أن تسرق خير إبلهم ، فيقيدون قائمتى الجمل الأماميتين بأغلال حديدية ثقيلة يقفلونها بقفل فلا يمكن فكها إلا بفتح القفل بمفتاح ، وبذلك يتعذر على اللص خطف الجمل خطفا على الأقل. وفى غداة وصول القافلة قدم شيخ المخيم لكل جماعة فطورا وعشاء من عجين الذرة الرقيق ، وبعد يومين أمر بنحر بقرتين احتفاء بمقدمنا ، وكان نصيب من هذا اللحم مرسلا لرفاقى التكارنة ، ولكن عبيد التجار السواكنية استولوا عليه فاختفى فى طرفة عين. وردا على هذه الحفاوة اضطررنا إلى إتحاف الشيخ بهدية ، وكانت فردة دمور قيمتها اثنتا عشرة كيلة من الذرة عن كل عبد فى القافلة ، وجملة هذا تقرب من