ولونها. وكانت أحراج العشر والسنط الكثيفة تعرقل سير الإبل ، وهبت علينا ريح عاتية أثارت الغبار والرمل حتى حجبت عن أبصارنا كل شىء فلم نعد نبصر ولو على عشر ياردات. وضللنا طريقنا بين الشجر ، وطفقنا نخبط خبط عشواء برهة أفزعنا فيها بعض الرعاة إذ حسبونا من أعدائهم البشاريين فساقوا قطعانهم على عجل ، وبعد ثلاث ساعات بلغنا خياما لبدو من الهدندوة فحططنا هناك. وكان خبير من كبار خبرائنا زوجا لإحدى قريبات شيخ المخيم ، ونزلنا فى الساحة التى تحيط بها الخيام ، وكانت مضروبة على شكل دوّار أو حلقة كما هى العادة فى شبه جزيرة العرب أيضا. وفى المساء هبت علينا عاصفة أخرى لا أذكر أننى رأيت لشدتها مثيلا ، فقد ظهرت أول الأمر غيمة زرقاء قاتمة تعلو نحو ٢٥ درجة فوق الأفق ، ولما دنت وعلت اربدّ لونها وشابتها صفرة خفيفة ، وراع جلال هذه الظاهرة من لم يألف رؤيتها من قبل. ولما دنت الغيمة منا شاعت فيها الصفرة على حين كان الأفق أصفى ما يكون زرقة. ثم دهمتنا وهى تسرى حثيثا ولفتنا فى ظلمة دامسة وأشاعت الاضطراب فى صفوفنا ، فلم يكن الرجل منا يميز شيئا على خمس أقدام أو ست ، وامتلأت عيوننا بالغبار ، وعصفت الريح بمظالنا المؤقتة حالما مستها ، وعصفت معها بما هو أمكن منها من خيام الهدندوة. أما الخيام الكبيرة فصمدت للعاصفة برهة ثم أذعنت فإذا المخيم كله صعيد جرز ، وزاد اضطرابنا أن الإبل همت بمقاودها ـ والفزع يملؤها ـ فقطعتها فرارا من الهلاك المحدق بها. واتصل هبوب الريح نصف ساعة لم تعرف فيها هوادة ، ثم سكتت فجأة ، وصفا الجو ، ومضت الغيمة الرهيبة فى طريقها شمالا تحمل معها الخراب والدمار. ومثل هذه العاصفة كثير فى هذا الموسم ، على أن تدميرها لا يعدو ما ذكرت ، فما هى إلا دقائق حتى نصبت الخيام من جديد وعاد كل شىء كما كان.
لم نلق من الهدندوة إكراما يذكر ، وحططنا فى وسطهم خشية التعرض لهجوم بالليل ، وبتنا نحرس بضاعتنا مخافة أن تمتد إليها أيديهم بالسرقة على ما هو معهود فيهم. وكانت عيون الماء بعيدة عن المضارب ، وكان على قاصدها أن يشق طريقه فى الغابة ، وهو طريق محفوف بالخطر على الغرباء ، لذلك ألزمنا الهدندوة