وعلى الرغم من الخطر الذى كثيرا ما يهدد صحة العبيد من جراء إقفار هذا الطريق وخلوه من الماء صيفا ، يفضل التجار أن يسلكوه عن أن يتحملوا نفقات الإقامة بشندى وأداء إتاوة المرور بعطبرة. وسرنا نحو أربع ساعات فى الليل ثم استرحنا فوق أرض رملية عميقة على مقربة من أشجار من الشوك والطرفاء.
٤ يونيو ـ قمنا قبل الشروق ، وكان مسيرنا فوق سهل فسيح لا أثر فيه لمرتفع غير التلين اللذين ذكرتهما واللذين كانا يقومان إلى يسارنا ، وكانا فى الصباح يتجهان إلى الشمال الشرقى بانحراف للشمال ، أما حين حططنا للقيلولة فكان اتجاههما إلى الشمال الغربى. وتربة السهل من الطفل يتخلله القليل من الحجر ، وهى تقترب فى خصوبتها من تربة ضفاف النيل ، وتحفل بفصائل شتى من العشب البرى ، ولفت نظرى أن فصيلة منها كانت تشغل بقعة قائمة بذاتها لا تكاد تختلط بغيرها من الفصائل بحيث بدا السهل كله رقعة هائلة من الصخور المختلفة ، وكان كثير من هذه الحشائش قد ذبل.
كانت وجهتنا شرق الجنوب الشرقى ، وفى الصباح انفصل عن القافلة بعض الرفاق واتخذوا سمتهم إلى أقصى حدود التاكة الجنوبية سالكين إليها طريقا أكثر انحرافا للجنوب. وطالعتنا قرب الظهر أشجار من بعيد ، وكانت الشمس حامية فخففنا إلى الظلال نلتمسها. وكان على سطح الأرض وعلى الشجر من الشواهد ما يدل على أن المكان فى مهب الرياح الشرقية العاتية. وفى العصر دخلنا سهلا مستويا أجرد لا ترى فيه أثرا لشجر ولا لعشب أيا كان ، ولا ترى فيه مرتفعات ولا معالم من الأرض تهدى المسافر فى طريقه. وفى المساء ومضت البروق الساطعة فصححت وجهتنا بعد أن تبين القوم الجهة التى تنبعث منها البروق. وكان الجو غائما ينذر بالمطر ، وبعد مسيرة إحدى عشرة ساعة حططنا بواد مشجر وقد أخذ منا التعب كل مأخذ لأن فئة منا ضلت طريقها فى الليل.
٥ يونيو ـ يبدو أن القافلة عن بكرة أبيها قد ضلت طريقها أمس لانبساط السهل وخلوه من الشجر ، فقد بدأنا مسيرنا اليوم ميممين شرق الجنوب الشرقى ، وبعد مسيرة ساعة وصلنا حدود إقليم التاكة ، فوجدنا تربة غنية لها نعومة التربة النيلية