أما المعبد نفسه فيحيط به من كل جوانبه صخور عالية تحجب معظمه عن البصر. ولم يتح لى فى النهار أن أبصره من أمام ، وقد خيل إلى أن ارتفاع جدرانه يتراوح بين ثلاثين قدما وخمسين ، وأنها مبنية من الجرانيت لأنها بدت لى فى لون الصخور المحيطة بها. ولم يكن معى منظار مقرب ، لذلك لا أستطيع أن أذكر للقارىء من تفاصيل هذا الأثر شيئا ، ولكن يبدو لى أن المعبد كله ـ باستثناء السقف المدبب ـ أخشن ما يكون بناء ، وأنه عريق فى القدم. وسألت التجار السواكنية هل رأوا مثل هذا الأثر فى النواحى المجاورة لهذا الموضع فقالوا إنهم لم يسبق لهم التصعيد مع النهر بعد هذا المكان ، لذلك لم يستطيعوا أن يمدونى بمعلومات وثيقة فى الموضوع ، ولم أر من أهل المنطقة من أستطيع سؤاله.
وقرية قوز رجب تقوم فوق السهل الرملى على نحو ربع ميل من ضفة النهر اليسرى ، ويسمونها قوز لموقعها بين الرمال ، وأهلها على ما علمت خليط من العرب والبشاريين والهدندوة والجعليين والشكرية الذين نزلوها للاتجار قبل كل شىء. وبدا لى أنهم لا يشتغلون بشىء من الزراعة ، وقد فهمت أنهم يجلبون من إقليم التاكة القريب كل زادهم من الذرة. ولهم ماشية تنتجع ضفة النهر صيفا وقلب الصحراء شتاء. وتدخل القوز فى أملاك سنار ، وحاكمها ـ كحاكم شندى ـ من أسرة ود عجيب الحاكمة. ولأهلها تجارة نشيطة مع سنار وشندى وقد يقصدون أسواق الدامر يبيعون فيها ما شيتهم كما يبيعونها فى شندى. ولا ينقطع العبيد من سوق قوز ، ويؤمها التجار السواكنية أحيانا ، ولكن بدو البشارية والهدندوة أكثر غشيانا لها ، فعلى الرغم من أنهم أعداء للأهالى جرت هذه البلاد ـ كما جرى البدو الأعراب ـ على إباحة السفر فى بلد العدو بقيود معلومة. وقوافل سواكن التى تقصد سنار ولا تريد المرور بعطبرة أو شندى تسلك طريق القوز ومنها تشق الصحراء رأسا إلى سنار. وتكثر برك الماء فى الرمل شتاء ، أما فى الصيف فتضطر القوافل إلى حمل الماء معها رحلة ستة أيام كاملة ، ويقال إن هذه الصحراء جرداء لا شجر فيها. ولا تسلك القوافل هذا الدرب إلا صيفا لأن بدو الشكرية يضربون خيامهم هناك فى الشتاء فيهددون سلامة المسافرين.