بسفح التل ، ولكن الليلة كانت غائمة فحجبت ظلمتها عن عينى كل أثر للمعبد. ودلنى نباح الكلاب على صدق ما ذهب إليه أصحابى من أن الجبل موطن للصوص الهدندوة. وبلغ الرعب من التجار غايته ، فسكنوا سكونا عميقا ، ولم يسمح لأحد بإشعال قصبة لئلا تنبىء النار بمكاننا ووجهتنا. ولم يخرق هذا السكون غير أنين الجوارى المهزولات اللاتى أضناهن السير ، ووقع السياط يلهب بها السادة الغلاظ ظهورهن ليكرهوهن على المسير وراء القافلة بعد أن أعاروا دوابهم لقوم من القوز أرادوا أن ينقلوا عليها بضاعة إلى التاكة. ورميت ببصرى إلى هذا الأثر الذى كنت أتلهف على رؤيته وأسفت للحظ العاثر الذى عاقنى عن زيارة معبد صليب بالمحس فى العام الماضى بعد أن بلغت أقصى رحلتى فى وادى النيل جنوبا ، والذى عصف بأملى اليوم أيضا بعد أن بلغت نهاية رحلتى جنوبا ، وحرم الناس من شىء قد يكون فى نظر البعض أشهى ثمار هذه الرحلة المضنية. فلعل الفرصة تواتى سائحا آخر أسعد حظا أو أجرأ قلبا فيزور هذا المعبد الذى لم أستطع إلا الإشارة العابرة إليه.
وصخور هذه التلال من الجرانيت ، فقد التقطت منها أحجارا ونحن نمر بها ليلا فلما فحصتها فى الصباح وجدتها من الجرانيت الوردى غليظ الحبيبات ، ويبدو أن التل الذى يقوم عليه المعبد هو أعلى تلال المنطقة ، فهو يرتفع عن النهر ثلاثمائة قدم أو أربعمائة ، وله جوانب مدرجة تكسوها كتل ضخمة غير منتظمة وصخور كبيرة. أما جانبه المشرف على النهر فقائم ، وبينه وبين النهر مسافة تبلغ ثلاثين ياردة يمتد فيها الدرب الذى سلكناه. ويلوح أن البناء مشيد على الجرف
وأنه يطل على النهر ، ولم أميز من تفاصيله غير حائطين عاليين ضخمين وسقف مستو كبير ، وعلى السقف شبه قبة عمودية الجوانب ، ولم أر أعمدة ولا بناء آخر.