أمره حين أصبت بالرمد مرتين فى الصعيد ، فإننى لم أصدق عينى ، لذلك سألت رفاقى عن هذا الذى يبدو فوق التل كأنه بناء ، فقالوا ألا ترى أنه كنيسة (وهو لفظ كثيرا ما يطلقه المصريون على المعابد المصرية القديمة التى ينسبونها للمسيحيين) ، وهى بلا شك من صنع «الكفار» ، ومضينا نحو التل وحططنا على مسيرة ساعة منه. وما إن نزلنا عن جمالنا ورتبنا متاعنا حتى انطلقت صوب التل وبى شوق لفحص هذا الأثر الإثيوبى ، ولكن صيحة عالية من السواكنية ردتنى على عقبى. قالوا «إن المنطقة كلها ينبث فيها فلاحو قوز رجب ، ولن تستطيع السير وحدك مائة خطوة حتى يهاجموك». والواقع أننا رأينا أشخاصا مريبين يختبئون بين الأشجار التى تحف ضفاف النهر بعيدا منا. وأضاف أصحابى أن التل موطن للصوص الهدندوة ، فهم يسكنون مغاوره ، وهم فى حرب مع جيرانهم أجمعين ، ولما لم يكن لهم فى خداعى مصلحة فقد صدقت تحذيرهم وعدت أدراجى ، لا مطلقا فكرتى بل مؤملا أن أستطع فى الغد تدبير زيارة لهذه الآثار فى صحبة بعض الأهالى الذين قد يوافوننا للبيع والشراء. وصح عزمى على هذه الزيارة مهما كلفتنى ، ولكننى لم أستطع لسوء الحظ أن أحقق هذا الأمل ، ولن أغتفر لنفسى هذا التردد الذى منعنى ساعتها من زيارة أهم أثر صادفته فى رحلتى هذه.
عبرت جماعة منا النهر إلى قوز رجب لتستطلع حالة السوق ، ثم عادت بعد الغروب بساعتين ، وكنا نتأهب للنوم (١). وإذا رئيس القافلة يقبل علينا وهو يصيح «استعجلوا يا ناس الجلابة ساقت إذا قعدنا يقتلونا يالله دلوا قربكم وشدوا على جمالكم» فى مثل هذه الحالات تطغى رغبة المحافظة على النفس على كل رغبة سواها. وهكذا نسيت المعبد مؤقتا وعدوت إلى النهر بقربتين بينما تولى غلامى إعداد الجمل ، فما إن عدت بقربتى الممتلئتين حتى وجدت رئيس القافلة قد رحل. وتفسير ما حدث أن الغريق الذى ذهب إلى قوز رجب ترامى إليه سرا أن جماعة كبيرة من البشاريين اعتزمت أخذنا على غرة ، فأصبح من الحكمة أن ترحل القافلة لساعتها لأن فى عبورنا النهر ليلا للاحتماء بقوز رجب مشقة أى مشقة ، ثم إننا قد نحاصر فيها إذا التجأنا إليها ويطول علينا الحصار. لذلك مضينا على ضفة النهر فى صمت ، ومررت
__________________
(*) إذا مرت القافلة بإقليم يهددها فيه الخطر قام المسافرون كلهم بالحراسة على نوبتين ، ففريق يحرس حتى منتصف الليل وآخر من منتصف الليل إلى الصباح.