ومع ذلك فكثيرا ما كنت أفزع الناس حين أطالعهم فجأة فيصيح الواحد منهم «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم». ووقع لى مرة أننى كنت أساوم بسوق شندى فتاة ريفية على بصل معها ، فقالت لى إن خلعت عمامتك وكشفت لى عن رأسك زدتك خمس بصلات. فلم أرض بأقل من ثمان ، فأعطتنيها وخلعت لها عمامتى فجفلت من رأسى الأبيض المحلوق. وسألتها مازحا : أترضين لك زوجا له مثل رأسى؟ فبدت عليها الدهشة والاشمئزاز ، وأقسمت أنها تؤثر على مثل هذا الزوج أقبح عبيد دارفور وأبشعهم خلقة.
ووجدنا كثيرا من شواهد القبور فى الصحراء المجاورة لأم داود ، فقد فتك الجدرى بالأهالى فتكا ذريعا فى العام الماضى. وكانت القبور مغطاة بالحصى من المرو الأبيض جريا على عادة النوبيين ، وفى كل طرف من طرفى القبر عمود مضروب فى الأرض. وهنا التقينا بقافلة كبيرة لبشاريين يسلكون طريقنا نفسة حتى قوز رجب ليشتروا منها ذرة. وتوجس التجار السواكنية شرا لأنه لم يكن بينهم وبين قبيلتهم ود ولا سلام ، وعلى ذلك حرصنا على أن نسير بعيدين عنهم ، وكنا منهم على حذر شديد.
ومضينا مع عطبرة بعد أم داود ، وكنا من حين لحين نسير فى طريق قصيرة عبر الصحراء ، وكانت وجهتنا الجنوب الشرقى بانحراف إلى الجنوب. وبعد مسيرة تسع ساعات ونصف حططنا بعد أن رأينا قافلة البشاريين تحط على مسافة منا. وكان رئيس قافلتنا يخشى أن نمضى فى طريقنا ثم نحط بعد ذلك لئلا نؤخذ على غرة ، فرأى أن من الحكمة أن يكون العدو على مرأى منا عن أن يكون وراءنا. وبتنا طوال الليل شاكى السلاح ، وأوقدنا نارا ووضعنا متاعنا بحيث يكون دريئة لنا إن هو جمنا. على أن البشاريين كانوا فى الغالب يخشوننا كما نخشاهم ، فقد لزموا مكانهم فى الصباح بينما مضينا نحن قدما.
٢ يونيو ـ سرنا فى الصبح أربع ساعات متجهين جنوبا بشرق ، وكان سيرنا فوق سهل من أرض صالحة للزراعة وإن بعدت عن النهر أميالا. ولم نر أثرا لجبال. وقيلنا فى حرج من أشجار النبق والسيال واللالوب. ورأيت هنا فصائل من طيور