التى عاقته عن بلوغ أقصى ما يصبو إليه من نجاح ، فكانت نصيحته التى محضنيها غير مرة أن أتوخى فى هذه المسألة الحذر الشديد ، وهى حكمة قد تبدو للقارىء الأوربى أدنى إلى الجبن ، أو إلى المغالاة فى الحيطة على الأقل ، لأنه لا يعرفها ولا يقدرها حق قدرها غير من كابد أمثال هذه الرحلة.
وليس بين سنار وشندى وبربر مواصلات مائية ، ولا تستعمل القوارب إلا للعبور من بر إلى بر ، وهى إلى ذلك نادرة جدا ، ووسيلة القوم فى عبور النهر الراموس الصغير من الغاب. ويطلق السكان من العرب على فرع النهر الذى تقع عليه سنار والذى ينبع من الحبشة اسم النيل أو البحر الأزرق ، فيقولون «بلد سنار مبنية على حافية النيل». وقياسا على هذا يكون بروس على حق حين زعم أنه كاشف منابع النيل. بيد أنى سمعت غير مرة من تجار سنار أن البحر الأبيض [النيل الأبيض] أكبر كثيرا من النيل الأزرق (وهم يعنون بالبحر الأبيض فرع النيل الواقع غربى النيل الأزرق). وقيل لى من مصدر ثقة إن بين شندى والدامر جندلا فى النهر شبيها بجندل أسوان ، وإن هناك جندلا أكبر وأوعر فى إقليم عرب الرباطاب بعد بربر.
وكثيرا ما تقصر مياه الفيضان دون بلوغ الأرض المجاورة لشندى بسبب ارتفاع ضفتى النهر ، وفى الزرع هنا كسل وتوان يقعدانهم عن معاونة الطبيعة بشق القنوات. وقد ذكرت أن شندى تعتمد فى زادها من الذرة على ما تجلبه من الجنوب ، ولكنها جلبت بعض هذا الزاد من التاكة خلال القحط الذى حل بالبلاد فى العام الماضى. ويبدأ هطول المطر عادة حوالى منتصف يونيو ، غير أن الفصل المطير هنا أقل ثباتا واستقرارا منه فى غرب السودان. وفى أواخر إبريل أصابت شندى شآبيب قليلة من المطر ، ولاح فى المساء بعض البروق فى المشرق ، وما وافى العاشر من مايو حتى علمنا أن مجرى نهر مقرن قد غص بالماء ، وأنه أفرغ ماءه فى النيل بعد أن علا فيه أقداما ، فلا بد أن مطرا غزيرا قد هطل ـ إما صوب جبال البشارية حيث منبع مقرن ، وإما صوب منبع عطبرة فى بلاد الحبش. والفرض الثانى أرجح لأننا لم نعثر فيما بعد على آثار مطر فى صحراء البشارية. ولكن يخيل إلىّ أن هذه