وقال أبو كثير :
حتّى رأيتهم كأنّ سحابة |
|
صابت عليهم لم يشمل ودقها |
وقال آخر من هذيل :
مرتها النّعامى ولم تعترف |
|
خلاف النّعامى من الشّام ريحا |
النّعامى : الجنوب ، ومرتها : استخرجت مطرها ، ومن الشّام : يريد الشّمال ، فهذه كلّها تجعل العمل في المطر للجنوب ، وتجعل الشّمال يقشع السّحاب ، ويسمّونها محوة ، لأنّها تمحو السّحاب.
قال العجّاج :
سغر الشّمال الزّبرج المزبرجا |
|
قد بكرت محوة بالعجاج |
فدمّرت بقية الزّجاج |
السّغر : القشر ، والزّبرج : السّحاب.
وكان الأصمعي يحكي عن العرب : أنّ ما كان من أرض الحجاز فالجنوب هي التي تمري السّحاب فيه والشّمال تقشعه. وما كان من أرض العراق ، فالشّمال تمري فيه السّحاب ويؤلفه ، ولم يقل إنّ الجنوب تقشعه ، ولا أنّه لا عمل لها فيه. قال : وأحسبه أراد أنّ الشّمال والجنوب تفعلان ذلك جميعا بأرض العراق دون الحجاز ، وعلى هذا وجدت بعض الشّعراء. قال الكميت ، وكان ينزل الكوفة :
مرته الجنوب فلمّا اكفهرّ |
|
حلّت عزاليه الشّمال |
فجعل الجنوب تستدرّه والشّمال تحلّه. وقال عدي وكان ينزل الحيرة وينتقل في أرض العراق : وجيء بعد الهدو يزجيه شمال كما يزجي الكسير فاستدرّت به الجنوب على الحرير ، فالجنوب سيره مقصور ، يريد لثقله وجعل الشّمال تسوقه والجنوب تستدرّه ، لأنّ الجنوب عند أهل الحجاز وما يليه هي التي تأتي بالغيث حتّى جعلوها مثلا للخير. قال حميد :
ليالي أبصار الغواني وسيرها |
|
إليّ وإذ ريحي لهنّ جنوب |
وعلى حسب تيمّنهم بالجنوب وتصييرهم إيّاها مثلا للخير ، تشاؤمهم بالشّمال وتصييرهم إيّاها مثلا للشر. قال أبو وجزة يذكر امرأة :
مجنوبة الأنس مشمول مواعدها