فإن قيل : إنّ ضحى إذا أريد به ضحى يومه مثل عتمة ، وقد دخله لام التّعريف في قوله : أبصرته في الضّحى يرمي الصّعيد به.
وفي قوله : نؤوم الضّحى قلت : إنّ هذا قد خرج من أن يكون ظرفا لمكان الإضافة إليه ، ودخول حرف الجر عليه فاعلمه ، فإن قيل : لم خصّ بعض أسماء أوائل النّهار بأن جعل علما وبعضها بأن جعل معدولا من دون أسماء أجزائه الباقية؟ قلت : لمّا كانت المواعد والحاجات استمرّت العادة في أنّها أكثر ما تعلق تعلق بأوائل النّهار دون أوساطه وأواخره. وكثر الاستعمال فيها لذلك استجيز فيها ما لم يستجز في غيرها من التّغيرات ، يشهد لهذا أنّهم أقاموا مقام الأزمنة ما ليس منها ، وذلك كالمصادر نحو خفوق النّجم ، وخلافة فلان ، وكصفات الزّمان نحو : قليل وكثير وقديم وحديث. وهذا ما حضر في قولهم سحر وغدوة وبكرة ونظائرها وفيه كفاية.
فصل
في المحدود من الزّمان وغير المحدود
قال أبو عمرو وغيره : الزّمان ستة أشهر ، والحين ستة أشهر ، قال الله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) [سورة إبراهيم ، الآية : ٢٥] وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : الزّمان عندهم أربعة أشهر ويقال : شيء مزمن أي أتى عليه زمان ، وكان الزّمانية فيه لامتدادها. وقال ابن الأعرابي : يقال من الزّمان زمنة ، وزمن ومن الزّمانة أيضا يقال : به زمنة وزمن ، ويقال : لقيته في الزّمن بين الزّمنين ، ألا تراه قد حدّ للّقاء وقتا ، وللفراق وقتين ، وكلّ قريب ، ويقال : لقيته ذات الزّمين أي ساعة في مدة من الدّهر يسيرة. وقال غيرهم : الحين الوقت في كلّ عدد ، والملا غير مهموز مثله ، ويقال : الحين سبع سنين ، واحتجّ بقوله تعالى : (لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [سورة يوسف ، الآية : ٣٥] وقيل هو أربعون سنة لقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) [سورة الإنسان ، الآية : ١] وذاك أنّه روي في الخبر أن آدم عليهالسلام أتى عليه بعد خلق الله إيّاه وهو طين أربعون سنة ثم نفخ فيه ولم يدر ما هو.
وقيل : الحين ثلاثة أيّام لقوله تعالى : (إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) [سورة الذّاريات، الآية : ٤٣] فكان فيما روى ذلك القدر. وقال آخرون : ثلاث مرّات في اليوم لأنّه تعالى قال: (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) [سورة الروم ، الآية : ١٧] إلى و (حِينَ تُظْهِرُونَ) [سورة الروم ، الآية : ١٨] قالوا : وهذا يقتضي أن يكون في قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [سورة النّحل ، الآية : ٦] غدوة وعشية قال الشيخ : المحصّل الصّحيح أنّ قولهم : الحين لما يتطاول من الزّمان ويتقاصر ويكون محدودا أو غير محدود.