وصولنا إليها. فطلبت أن تنصب خيمتان في الميدان ، أي في السوق (١) الكبيرة.
ويجدر بنا أن نتكلم قليلا على ما بين نهري دجلة والفرات من تباين في مجراهما ومياههما. فقد لاحظت أن ماء الفرات يبدو محمرا قليلا ، وأن تياره ليس سريعا كتيار دجلة الذي يظهر مائلا إلى البياض كنهر اللوار (٢). أما عن مجراهما فالفرات أطول من دجلة. والآن دعنا نقطع دجلة فوق جسر من القوارب (٣) لمشاهدة الخرائب الكئيبة لمدينة نينوى التي ملأت العالم ضجيجا ، وليس في مظهرها الآن ما يدل على سابق مجدها.
شيدت نينوى على الضفة اليسرى لدجلة ، أي في الضفة الأشورية. وهي الآن ليست إلا أكواما من التراب تمتد نحو فرسخ بامتداد النهر. ويرى فيها عدد من الأقبية والمغاور غير المأهولة (٤). ويصعب على الإنسان أن يعلم ما إذا كانت هذه بعينها المساكن القديمة في المدينة ، أم كانت هنالك بيوت مشيدة فوقها في الأزمنة الخالية. لأن معظم البيوت في البلاد التركية تشبه السراديب ، أو لا تتألف إلا من طبقة واحدة عالية. وعلى نصف فرسخ من دجلة تل تشتتت على سطحه بيوت وفي قمته مسجد يذهب أهل تلك البقعة إلى
__________________
(١) ما زالت «محلة الميدان» و «سوق الميدان» معروفتين مأهولتين في الموصل. وهذه السوق تمتد بموازاة دجلة ، من مشرعة شط القلعة إلى الجسر الحديدي الجديد. وبينها وبين النهر نحو مائتي متر.
(٢) اللوار من أنهار فرنسا.
(٣) كان للموصل منذ أقدم عصورها إلى يومنا هذا ، جسر يصل ما بينها وبين شاطئ دجلة الأيسر. وهو جسر خشبي من القوارب ، يجدد كلما ناله البلى. ولكن هذا الجسر الخشبي البسيط ، استعيض عنه ، سنة ١٩٣٣ بجسر حديدي مكين راسخ الدعائم.
(٤) لم نفهم مراد المؤلف بقوله «الأقبية والمغاور» فهل يدل ذلك على حفريات وتنقيبات في نينوى منذ ذلك العهد؟ مع أن المعروف بين علماء الآثار ، أن الحفريات في نينوى لم تبدأ إلا في سنة ١٨٤٠ م وأن معظمها تم بشق الأنفاق في باطن التل لاستخراج الآثار منه ، ولا تزال معالم هذه الأنفاق تشاهد وكأنها أقبية ومغاور.