وفي اليوم الخامس منه ، بعد مسيرة احدى عشرة ساعة بلغنا الموصل ، التي لا تبعد عن نينوى القديمة إلّا يسيرا.
والموصل ، مدينة تبدو للمرء من خارجها فخمة المنظر. أسوارها (١) حجرية ، بينما هي في داخلها تكاد تكون برمتها خربة. وليس فيها سوى سوقين معقودتين ، وقلعة (٢) صغيرة مطلة على دجلة يقيم فيها الباشا (٣). وبوجيز الكلام ، ليس في الموصل ما يستحق المشاهدة والالتفات (٤).
وليس لهذه البقعة من شأن إلا كونها ملتقى مهمّا للتجار ، خاصة تجار العرب والكرد الذين يقطنون بلاد أشور القديمة ، المسماة اليوم بكردستان ، التي يكثر فيها العفص الرائج التجارة. وفي الموصل أربع فرق نصرانية ، وهي : الروم ، والأرمن ، والنساطرة ، والموارنة (٥). وللكبوشيين مقر جميل على دجلة (٦) ، ولكن الباشا غرمهم لأنهم حاولوا توسيعه قليلا فأجبروا على تركه وهجره. ويحكم المدينة باشا ، بإمرته جماعة من الانكشارية والسباهية يبلغ عددهم ثلاثة آلاف رجل.
وليس في الموصل غير خانين بسيطين ، كانا مكتظين بالمسافرين حين
__________________
(١) انظر الملحق رقم (٨) في الكلام على الموصل.
(٢) لا أثر لهذه القلعة اليوم ، وإنما يعرف موقعها فقد كانت تقوم عند «باب القلعة» المطل على دجلة ، في أعلى الجسر الحديدي الحالي.
(٣) كان يسوس الموصل في العهد العثماني «باشا».
(٤) انظر الملحق رقم (٨).
(٥) لا نرى المؤلف إلا واهما في ذكره هذه الفرق النصرانية. فلم تعرف الموصل في يوم من أيامها الماضيات بكونها موطنا للروم ولا للموارنة. بل إن الفرقتين السائدتين في زمنه هناك كانتا «النساطرة» و «اليعاقبة». أما الأرمن فلم يكن منهم فيها إلا عدد ضئيل لا يستحق الذكر.
(٦) قدم الرهبان الكبوشيون إلى الموصل سنة ١٦٣٦ وغادروها نهائيا بعد سنة ١٦٦٧ بمدة وجيزة.