بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين. وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار ، وبعد :
في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة من الهجرة النبويّة وصل إلى مدينة دمشق عدد كبير من المهاجرين من مدن وقرى فلسطينية ، منها قرية تسمّى «جمّاعيل» قريبة من مدينتي نابلس ، والقدس ، وصلت أول جماعة من مهاجري تلك الدّيار المقدسة ، تاركين بلادهم فرارا من ظلم الصليبيين ، فاستقبلتهم دمشق مرحّبة ، وقدمت لهم النجدة ، والعون ، فاستبشروا بترحاب أهلها ، وأحسّوا بالأمن والقرار ، وأخذ العلماء منهم ينشرون العلم ، وخاصة الحديث النبوي الشريف ، والفقه الحنبلي ، وكان الشيخ الصالح أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي سيّد القوم وشيخهم ، وكان معه من أقربائه أول الأمر زوج أخته عبد الواحد بن علي بن سرور (والد الحافظ عبد الغني) وابن أخيه محمد بن أبي بكر ، وعبد الواحد بن أحمد المقدسي (ابن أخته ، وزوج ابنته ، وهو والد الحافظ ضياء الدين) ثم توالت الهجرة بعد ذلك ، وكان نزولهم أول الأمر في مسجد أبي صالح ظاهر الباب الشرقي لمدينة دمشق ، فأقاموا به نحوا من سنتين ، ثم انتقلوا إلى جبل قاسيون ، وبنوا لأنفسهم دارا بالقرب من نهر يزيد ، وأسسوا أول مدرسة كبيرة بالصالحية ، وهي المعروفة بالمدرسة العمرية ، نسبة إلى مؤسسها الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد المقدسي ، المتوفى سنة ٦٠٧ ه ، وبنى لهم نور الدين الشهيد مدرسة صغيرة ومصنعا ، وفرنا.