يطلبون الرزق في غيرها ، ولا يسافرون إلى بلد سواها ، حتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا لغني أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا.
ورى عن حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، حديث ، يرفعه إلى الله عزوجل يقول يوم القيامة لساكني مصر فيما يعدد عليهم من نعمته ألم أسكنكم مصر ، فكنتم تشبعون من خبزها وتروون من مائها ، أمسكوا على أفواهكم.
وقال يحيى بن سعيد : جلت البلاد فما رأيت الورع ببلد من البلدان أعرفه إلا بالمدينة وبمصر. وقال خالد بن يزيد : كان كعب الأحبار يقول : لولا رغبتي في الشام لسكنت مصر ؛ فقيل : ولم ذلك يا أبا إسحاق؟
قال : إني لأحب مصر وأهلها ؛ لأنها بلدة معافاة من الفتن ، وأهلها أهل عافية ، فهم بذلك يعافون ، ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه ، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وروى عن شفي بن عبيد الأصبحي ، أنه قال : مصر بلدة معافاة من الفتن لا يريدهم أحد بسوء إلا صرعه الله ، ولا يريد أحد هلكهم إلا أهلكه الله.
وذكر أهل العلم أنه مكتوب في التوراة : بلد مصر خزانة الله ، فمن أرادها بسوء قصمه الله.
وقال أبو الربيع السائح : نعم البلد مصر ، يحج منها بدينارين ، ويغزى منها بدرهمين. يريد الحج في بحر القلزم ، والغزو إلى الإسكندرية وسائر سواحل مصر.
وذكر يحيى بن عثمان ، عن أحمد بن عبد الكريم ، قال : جلت الدنيا ، ورأيت أهلها ، ورأيت آثار الأنبياء والملوك والحكماء ، ورأيت بناء كسرى وقيصر وغيرهما من ملوك الأرض ، ورأيت آثار سليمان بن داود عليهماالسلام ببيت المقدس وتدمر ، والأردن ، وما بنته الشياطين بتدبير النبوة ، فلم أر مثل برابي مصر على حكمتها ، ولا مثل الآثار التي بها ، والأبنية التي لملوكها وحكمائها.
كور مصر
وبمصر ثمانون كورة ، ليس منها كورة إلا وفيها طرائف وعجائب من أصناف البر والأبنية والنتاج والشراب والطعام والفاكهة وجميع ما ينتفع به الناس ، ويدخره الملوك ، يعرف كل صنف من كورته ، وينسب كل لون إلى كورته ، وصعيدها أرض حجازية ، حرها كحر الحجاز ، تنبت النخل والأراك والقرط والدوم والعشر ، وأسفل أرضها شامي تمطر مطر الشام ، وتنبت نبات الشام من الكرم والتين والموز والجوز وسائر الفاكهة ، والبقول والرياحين ، ويقع به الثلج.
ومنها كورة لوبية ومراقية برابى وجبال وغياض ، وزيتون وكروم برية بحرية جبلية ، بلاد إبل وماشية ، ونتاج وعسل ولبن وفي كل كورة من مصر مدينة ، قال تعالى (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ.)