ـ وكان نصرانيّا فأسلم عام الحديبيّة وحسن إسلامه ، وكان قارئا للكتب ، عالما بتأويلها على وجه الدهر وسالف العصر ، بصيرا بالفلسفة والطبّ ، ذا رأي أصيل ووجه جميل ـ. قال جميل : أنشأ يحدّثنا في أيّام عمر بن الخطّاب ، قال : وفدت على رسول الله في رجال من عبد القيس ، ذوي أحلام وأسنان وسماحة وبيان وحجّة وبرهان ، فلمّا بصروا به صلىاللهعليهوآله راعهم منظره ومحضره ، فصدّهم عن بيانهم واعترتهم العرواء (١) في أبدانهم ، فقال زعيم القوم لي : دونك فما نستطيع أن نكلّمه ، فاستقدمت دونهم إليه فقدمت بين يديه ، فقلت : سلام عليك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمّي ، ثمّ أنشأت أقول :
يا نبيّ الهدى أتتك رجال |
|
قطعت قرددا (٢) والا(٣) فآلا |
جانب البيد (٤) والمهامة (٥) حتّى |
|
عالها (٦) من طوى السرى ما غالا (٧) |
قطعت دونك الصاصح (٨) تهوي |
|
لا تعدّ الكلال فيك كلالا |
كلّ دهناء (٩) يقصر الطرف عنها |
|
أرقلتها (١٠) قلانصا (١١) إرقالا |
ثمّ لمّا رأتك أحسن مرأى |
|
أفحمت عنك هيبة وجلالا |
__________________
(١) العرواء ـ بضمّ العين وفتح الراء ـ قرّة الحمّى ومسّها في أوّل رعدتها.
(٢) والقردد الموضع المرتفع من الأرض.
(٣) والآل السراب.
(٤) والبيد ـ بالكسر ـ جمع البيداء وهي الفلاة.
(٥) والمهامة جمع مهمهة وهي المفازة البعيدة والبيد المقفر.
(٦) عال أي ذهب ودار ، وفي بعض النسخ بالمعجمة من المغاولة وهي المبادرة في السير.
(٧) غال أي الغول بعد المفازة والمشقّة.
(٨) الصحصح الأرض المستوية الواسعة.
(٩) الدهناء الفلاة.
(١٠) أرقل أي أسرع.
(١١) والقلانص جمع قلوص وهو من الإبل الشابّة وكلّ شيء أظهرته.