وإلى خدمته ، فترى أجلّ الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب ؛ إمّا لسلعة معه ليست معه ، وإمّا خدمة يصلح لها لا يتهيّأ لذلك الملك أن يستغني إلّا به ، وإمّا باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير ، فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثمّ ليس للملك أن يقول : هلّا اجتمع إليّ إلى مالي علم هذا الفقير؟ ولا للفقير أن يقول : هلّا اجتمع على رأيي وعلمي وما أتصرّف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني؟ ثمّ قال الله : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) ثمّ قال : يا محمّد قل لهم : (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(١) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدّنيا.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأمّا قولك (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى آخر ما قلته ، فإنّك قد اقترحت على محمّد رسول الله أشياء :
منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوّته ، ورسول الله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتجّ عليهم بما لا حجّة فيه.
ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك ، وإنّما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها ، فإنّما اقترحت هلاكك ، وربّ العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كمما تقترحون.
ومنها المحال الّذي لا يصحّ ولا يجوز كونه ورسول ربّ العالمين يعرّفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيّق عليك سبيل مخالفته ، ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتّى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص.
ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنّك فيه معاند متمرّد لا تقبل حجّة ولا تصغي
__________________
(١) الزخرف : ٣٢.