كنتم عبادا مؤمنين ، وإن أبيتم كنتم بي كافرين ، وبعقوباتي من الهالكين. ثمّ أنزل الله عليه : يا محمّد (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) يعني آكل الطّعام (يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ)(١) يعني قل لهم أنا في البشريّة مثلكم ، ولكن ربّي خصّني بالنبوّة دونكم كما يخصّ بعض البشر بالغنى والصحّة والجمال دون بعض من البشر ، فلا تنكروا أن يخصّني أيضا بالنبوّة.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأمّا قولك : «هذا ملك الرّوم وملك الفرس لا يبعثان رسولا إلّا كثير المال ، عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدّام ، وربّ العالمين فوق هؤلاء كلّهم فهم عبيده» ؛ فإنّ الله له التدبير والحكم لا يفعل على ظنّك وحسبانك ولا باقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وهو محمود ، يا عبد الله إنّما بعث الله نبيّه ليعلّم النّاس دينهم ويدعوهم إلى ربّهم ويكدّ نفسه في ذلك آناء الليل ونهاره ، فلو كان صاحب قصور يحتجب فيها ، وعبيد وخدم يسترونه عن النّاس ، أليس كانت الرّسالة تضيع والامور تتبطّأ؟ أو ما ترى الملوك إذا احتجبوا كيف يجري الفساد والقبائح من حيث لا يعلمون به ولا يشعرون؟
يا عبد الله ، إنّما بعثني الله ولا مال لي ليعرّفكم قدرته وقوّته وأنّه هو النّاصر لرسوله ولا تقدرون على قتله ولا منعه في رسالته ، فهذا بيّن في قدرته وفي عجزكم ، وسوف يظفرني الله بكم فأسعكم قتلا وأسرا ، ثمّ يظفرني الله ببلادكم ويستولي عليها المؤمنون من دونكم ودون من يوافقكم على دينكم.
ثمّ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : وأمّا قولك لي : «لو كنت نبيّا لكان معك ملك يصدّقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبيّا لكان إنّما يبعث ملكا لا بشرا مثلنا» ؛
__________________
(١) الكهف : ١١٠.