وأمّا سجود يعقوب وولده ليوسف لم يكن ليوسف وإنّما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله ومحبّة ليوسف كما أنّ السجود من الملائكة لم يكن لآدم فسجود يعقوب وولده ويوسف معهم كان شكرا لله باجتماع الشمل ، ألم تر أنّه يقول في شكره في ذلك الوقت : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(١).
وأمّا قوله : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) فإنّ المخاطب بذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله ولم يكن في شكّ ممّا أنزل الله عليه ولكن قالت الجهلة : كيف لم يبعث الله تعالى نبيّا من الملائكة ليكون الفرق بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأكل والمشرب والمشي في الأسواق؟ فأوحى الله إلى نبيّه : (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ) بمحضر من الجهلة هل بعث الله نبيّا قبلك إلّا وهو يأكل الطعام ويشرب الشراب ولك بهم أسوة يا محمّد ، وإنّما قال فإن كنت في شكّ لنصفه كما قال : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ)(٢) ولو قال تعالى : نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبوا إلى المباهلة وقد علم الله أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبيّ بأنّه صادق فيما يقول ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.
وأمّا قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) فهو كذلك لو أنّ أشجار الدنيا أقلام والبحر مداده يمدّه سبعة أبحر حتّى انفجرت الأرض عيونا كما انفجرت في الطوفان ما نفذت كلمات الله وهي عين الكبريت وعين اليمن وعين البرهوت وعين الطبريّة وحمة ما سبذان (٣) يدعى لسان ، وحمة أفريقيّة تدعى سبيلان ، وعين
__________________
(١) يوسف : ١٠١.
(٢) آل عمران : ٦١.
(٣) ما سبذان أو سيدان ، قال في مراصد الاطّلاع : موضع أو مدينة على بحر فارس وجزيرة عظيمة يقال دورها ثمانمائة فرسخ بها سرانديب وعدّة ملوك لا يدين بعضهم لبعض ، والبحر الذي عندها يسمّى سلاحط بين الصين والهند.