داخلها من غرائب صنع الجص ما يعجز عنه الوصف ، وبإزاء هذا الباب عن يمين الداخل إليه كان يقعد الشيخ العابد جلال الدين محمد بن أحمد الأقشهري (١٥٦) ، وخارج باب إبراهيم بئر تنسب كنسبته ، وعنده أيضا دار الشيخ الصالح دانيال العجمي الذي كانت صدقات العراق في أيام السلطان أبي سعيد (١٥٧) تأتي على يديه ، وبمقربة منه رباط الموفّق ، وهو من أحسن الرّباطات، وسكنته أيام مجاورتي بمكة العظيمة ، وكان به في ذلك العهد الشيخ الصالح أبو عبد الله الزواوي(١٥٨) المغربي ، وسكن به أيضا الشيخ الصالح الطيار سعادة الجوّاني ، ودخل يوما إلى بيته بعد صلاة العصر فوجد ساجدا مستقبل الكعبة الشريفة ميتا من غير مرض كان به ، رضياللهعنه ، وسكن به الشيخ الصالح شمس الدين محمد الشامي نحوا من أربعين سنة ، وسكن به الشيخ الصالح شعيب المغربي (١٥٩) من كبار الصالحين ، دخلت عليه يوما فلم يقع بصري في بيته على شيء سوى حصير فقلت له في ذلك ، فقال لي : أستر عليّ ما رأيت.
وحول الحرم الشريف دور كثيرة لها مناظر وسطوح يخرج منها إلى سطح الحرم ، وأهلها في مشاهدة البيت الشريف على الدوام ، ودور لها أبواب تفضي إلى الحرم ، منها دار زبيدة زوج الرشيد أمير المؤمنين (١٦٠) ، ومنها دار العجلة ودار الشرابي وسواها.
ومن المشاهد الكريمة بمقربة من المسجد الحرام قبة الوحي ودار خديجة أم المؤمنين رضياللهعنها بمقربة من باب النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي البيت قبة صغيرة حيث ولدت
__________________
(١٥٦) الأقشهري محمد بن أحمد بن أمين بن معاذ ، مؤرخ رحالة ، ولد في أقشهر بقونية ورحل إلى مصر ثم إلى المغرب فسمع عن أبي جعفر ابن الزبير بالأندلس ، ومحمد بن عيسى بن منتصر بفاس وغيرهما.
وجمع رحلته إلى المشرق والمغرب في عدة مجلدات وجاور بالمدينة ، أدركه أجله بها عام ٧٣١ ـ ١٧٣١.
ـ الدرر الكامنة لابن حجر ج ٣ ، ص ٣٨٩.
(١٥٧) القصد إلى السلطان بهادور خان آخر ملك إيلخاني مغولي لفارس والعراق تولى الحكم من ٧١٦ ـ ٧٣٦ ـ ١٣١٦ ـ ١٣٣٥ وسيحدث عنه ابن بطوطة عند زيارته للعراق.
(١٥٨) هو عبد الله بن موسى بن عمر بن يونس الزواوي الفقيه ، حج وأقام بمكة والمدينة ، وأخذ عن ابن دقيق العيد ، وسمع من مؤنسة خاتون بنت الملك العادل وحدث عنها بالسّباعيات بمكة وكان يحفظ الموطا ومات بالمدينة الشريفة في شهر ربيع الأول سنة ٧٣٤ ـ نونبر ١٣٣٣. الدرر ٢ ، ٤١٣.
(١٥٩) شعيب بن موسى بن عبد الرحمن بن سليمان بن عزيز المحمدي الجنياوي ثم الصفراوي ثم الفاسي ، أبو مدين ، أخذ عن أبيه وعن أبي زكرياء السبتي وعز الدين بن عبد السلام وغيرهم ذكره الأقشهري في فوائد رحلته ، وقد التبس على ييرازيموص شعيب بن موسى بشعيب بن الحسين دفين تلمسان. ـ ١ ، ص ٣٠٢) تعليق ١٧٩ ـ الدرر ٢ ، ٢٩١.
(١٦٠) دار زبيدة زوجة هارون الرشيد التي كانت على مقربة من باب الخياطين تهدمت عام ٢٧١ ـ ٨٨٤ ، وعوضت فيما بعد برباط ... هذا ولم نتمكن من تعريف الشّرابي. أما دار العجلة فلأنها تقع على مقربة من باب العجلة.