في أجمل هيئة وأكمل إشارة ووافى السلطان أبو يحيى المذكور (٤٢) راكبا وجميع أقاربه وخواصه وخدام مملكته مشاة على أقدامهم في ترتيب عجيب وصليت الصلاة وأنقضت الخطبة وانصرف الناس إلى منازلهم.
وبعد مدة تعين ركب للحجاز الشريف ، شيخه يعرف بأبي يعقوب السوسي ، من أهل إقلي (٤٣) من بلاد إفريقية ، وأكثره المصامدة (٤٤) ، فقدموني قاضيا بينهم ، وخرجنا من تونس في أواخر شهر ذي القعدة (٤٥) سالكين طريق الساحل ، فوصلنا إلى بلدة سوسة وهي صغيرة حسنة مبنية على شاطىء البحر ، بينها وبين مدينة تونس أربعون ميلا (٤٦) ، ثم وصلنا إلى مدينة صفاقس(٤٧) وبخارج هذه البلدة قبر الإمام أبي الحسن اللخمي المالكي مؤلف كتاب التبصرة في الفقه (٤٨).
__________________
(٤٢) كان عيد الفطر لعام ٧٢٥ يوافق ١٠ شتنبر ١٣٢٥ ... وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه أن دخول السلطان أبي يحيى أبي بكر لتونس كان في شوال ... مع أننا رأينا هنا ابن بطوطة يؤكد أنه رآه في هذا العيد ، بل ويذكر أبا يحيى كملك لهذه المدينة لما وصل لتونس في رمضان ، كما يذكر أن السفراء (الذين أهمل ابن خلدون ذكرهم أيضا) وصلوا في الوقت نفسه مع ابن بطوطة مما يحمل على الاعتقاد بأن ابن بطوطة كان أكثر قربا للحقيقة ، هذا وقد قدم لنا العمري تفصيلات مماثلة عن المراسيم السلطانية بتونس ... ابن خلدون : كتاب العبر ، ج ٦ ص ٧٦٧ ، طبعة دار الكتاب اللبناني ١٩٨٥.
(٤٣) كلمة (إقلي) هي التي في سائر المخطوطات الموجودة في الخزانة الملكية بالرباط وبالخزانة الوطنية بباريز وخزانة الأكاديمية الملكية بمدريد وليشبونة ... ويرى الناشران D.S. أن القصد إلى (إقليبية) المعروفة قديما باسم (Clypea) ، وتعرف اليوم باسم قليبية وقد تصرف كيب في النص ورسمها منذ البداية : إقليبية (IQLIBIYA). السوسى نسبة إلى سوسة.
(٤٤) المصامدة : قبيلة أمازيغية تسكن القسم الغربي من الأطلس.
(٤٥) يوافق أول نونبر ١٣٢٥.
(٤٦) سوسة مدينة كبيرة عتيقة بناها الرّومان (HADRUMETUM) واتخذها المسلمون قاعدة لنائب الوالي لما ملكوها وملكوا الشاطئ ، وموقع المدينة جميل وقد خصص لها الحسن ابن الوزان حديثا طريفا ووصف أهلها بأحسن النعوث وقال : إن جلّ أهلها بحّارون في السفن التجارية الذاهبة إلى الشرق ، وكذا يستعملون السفن القرصانية التي تهاجم مدن صقلية المجاورة أو غيرها من المدن الإيطالية ، وسائر السكان من النساجين والفخارين ...
(٤٧) صفاقص (Sfax) مدينة عتيقة بناها الأفارقة على ساحل المتوسط أيام كانوا يحاربون الرومان ، كانت كثيرة السكان ، لكنها أيام الحسن ابن الوزان لم يبق بها سوى ثلاثمائة إلى أربع مائة كانون ... يذهب بعض سكانها بسفنهم ليتجروا في مصروفي تركيا وقد انتسب إليها عدد من رجال العلم والفكر.
(٤٨) هو علي بن محمد الربعي أبو الحسن المعروف باللخمي ، فقيه مالكي له معرفة بالأدب والحديث ، قيرواني الأصل ، نزل صفاقس وتوفي بها عام ٤٧٨ ـ ١٠٨٥ صنف كتبا مفيدة ، من احسنها تعليق كبير على المدونة في فقه المالكية سماه : " التبصرة" أورد فيه أراء خرج بها عن المذهب.
محمد محفوظ : تراجم المؤلفين التونسيين ج ٤ ص ٢١٤.