طوال الليل. كانت الليلة الأولى التي أقضيها حقيقة في الصحراء ؛ في اليوم السابق كنت في أوروبا ، تحت خيمة المهندسين الفرنسيين ، أما صحراء السويس التي سبق لي التخييم فيها ، فإنني أصر على ألّا أسميها صحراء ؛ بسبب استراحاتها ، وعربات السفر التي تجوبها ، ومحطات البرق فيها ، وغير ذلك من الاختراعات الأوروبية التي غشيتها.
لا شيء من ذلك هنا : ليس هنا طرقات ، ولا سقف بيت واحد ، ولا بشر ؛ في كل مكان ، هناك العزلة والهدوء. كان الهواء في الصباح أكثر برودة مما كان عليه في المساء ، ومع أن قرص الشمس كان ملتمعا ، فإنه لم يمنح الجو بعض السخونة بعد : لقد انطلقنا متأخرين ، ذلك أن جملا هائجا هرب بعد أن تمّ تحميله ، لقد هرب بكل ما يحمله ، وكان يلزم قائده بعض الوقت / ٥٩ / ليمسك به ، ولم تتم إعادته إلّا بعد مقاومة شديدة. مشينا طوال فترة الصباح على أرض رملية مستوية تماما : كنا نرى الطبيعة التي رأيناها في اليوم السابق ، الجبال نفسها ، والأفق نفسه. وينتهي عدد من الأودية إلى الوادي الذي نعبره ، وإن أعرضها وأكثرها صلاحية لمسير القوافل فيه هو وادي فيران (١) الذي يمتد إلى اليسار ، وينحدر حتى البحر. وبينما كنا نمر أمامه خرج علينا منه بدوي يسير على قدميه ، مرّ بنا وإمارات الفظاظة تبدو عليه ، ودون أن يلقي السلام ، واختفى وراء صخرة دون أن يكلف نفسه عناء إدارة رأسه لرؤيتنا.
__________________
(١) وادي فيران أو فاران ، وهو أشهر أودية الجزيرة كلها قديما وحديثا وأغزرها ماء ونخيلا ويشكل مع وادي الشيخ واديا واحدا ، القسم الأعلى منه وادي الشيخ ، والأسفل وادي فيران وله عدة فروع. انظر : تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٥٢.