لا تملك خيلا ولا بغالا. وصلنا أخيرا ، بعد تعثر وجري ، نهاية ذلك المنحدر الشديد ، ودخلنا في واد آخر ، إنه وادي صلاف (١). كانت الجمال هنا ، والحمد لله ، على الأرض المناسبة لها ؛ أي على طريق رملية مستوية ، ولم يكن هناك من تغيير إلا هذا : فجبال هذا الوادي الجديد لها أوصاف الجبال السابقة نفسها ، فهي تشبهها في خلوها من أي نبات ، وفي الكآبة التي تخيم عليها.
وعلى العكس مما سبق فإن الرمل هنا تزينه / ٥٨ / أزهار جميلة بيضاء وصفراء وبنفسجية تخفف من لمعانه ، وتمنح النظر راحة وهدوءا. ونجد في هذه الأودية الطرفاء ؛ وهي نبات ينتج المنّ ؛ ذلك الرحيق السماوي (٢) الذي رزقه الله لبني إسرائيل عندما تاهوا في سيناء. لقد كانت تنتشر حولنا قطع ضخمة من نبات الرّتم ؛ وهو نبات يتميز بأنه يشتعل وهو أخضر ، مما يمنحه قيمة كبيرة في هذه الصحراء التي لا غابات فيها : وقد كان في تلك الليلة ذا فائدة عظيمة لنا ، لأن الهواء كان شديد البرودة ، ومع أن معسكرنا الصغير كان محميا بأكمة من الجرانيت ، فقد كنا سنقاسي من البرد لو لا النار المتأججة والمتوقدة التي استخدمنا ذلك النبات في إشعالها وتلقيمها
__________________
(١) في تاريخ سيناء ... ، موثق سابقا ، ص ٥١ ، أنه من أشهر فروع وادي الشيخ وأكبرها ... وفي وادي صلاف بالقرب من مصب الدهيسة عند مروره بنقب حبران نواويس للسكان الأصليين.
(٢) Ambroisie Cleste ـ طعام يظن أنه أحلى عشر مرات من العسل. والطرفاء تعرف بشجرة المنّ إذ تتسلط عليها دودة كدودة القز تثقب جذوعها وأغصانها فيخرج من الثقوب صمغ حلو المذاق يلتقطه بدو سيناء ، ويجعلونه في علب صغيرة من الصفيح ويبيعونه لزوار الدير والسياح ، أو يأتون به إلى مصر فيبيعونه فيها باسم المن.