وما حولها مطر مطلقا ، وكان الأمير جانم الحمزاوي لما حصل في سنة ثلاثين تلك العطشة المشهورة في زمنه (١) جهز معماريّة صحبة أمين العمارة لاصلاح الآبار التي هناك ونزحها ، وتوسيعها ، فإن المعهود بها قديما هي البئر المالحة التي في الرحبة ، وهذه المستجدّات المنسوبة إلى إبراهيم باشا هي التي أصلحت بمعرفة جانم الحمزاوي ، من مال إبراهيم باشا الوزير الأعظم ، ثم بعد العمارة رتّب لها مبلغا قدره من الفضة الكبار أربعة آلاف لمشايخ الدرك بالوجه ، عن خدمة هذا الماء والآبار ، وتنظيفها خوفا من مشاق العطش الواقعة في هذا المحل وما والاه ، فأقام بعد ذلك سنوات والحجاج تروي منه وترده وترحل عنه ، وهم في دعة من الرواء وأمن من مقاساة ألم الشكوى ، إلى أن أخذت الآبار في النقص ، وقلّ المطر الوارد إلى ذلك الوادي ، فصار الحجاج تارة يستقون دون جمالهم ، وتارة يبيتون ويراعون أحوال الماء ، قليلا قليلا طول الليل ، إلى أن يحصل لهم الريّ أو دونه. فلما لم يحصل في ذلك الوادي مطر مدّة هذه السنين العديدة إلى تاريخه ، وكذلك ما حوله وما قرب منه وادي الأزلم وإلى بعد الينبع بمراحل ، فصار لسلوك تلك المحجّة مشقّات : منها ـ وهو الأهمّ ـ عدم الماء بالوجه مطلقا ، إلا البئر المالحة جدّا التي بالرحبة ، ومنها شدة ملوحة الماء الذي في غير هذا المنزل ، لقلة المطر أو عدمه ، كأكره ، والأزلم ، والحوراء ، فإنه عند وجود السيول والأمطار ، ومخالطتها لتلك المياه يسوغ شربها. ويطيب رحبها ، ومنها عدم نبت الحشيش لمرعى الجمال بتلك الأودية ، وإن وجد فهو كالمحرق من شدة الجفاف وعدم النفع. ومنها عدم وجود الأغنام ، أو وجودها في أشدّ حالة
__________________
(١) فى سنة ٩٣٠ وكانت تسمى سنة العطشة بالوجه ، وكانت فى عهد إمرة جانم بن قصروه دوادار ابن السلطان قانصوه الغورى وتولى إمرة الحج سنين آخرها سنة ٩٥٦ ه.