تنطبق عليها ومنها قولهم : إنها بين المدينة والشام وفيها أوقعت سرية زيد بن حارثة بعير قريش ، ولكي ندرك انطباق هذا على الموضع الذي ذكرناه ينبغي أن نلاحظ أنّ للمدينة طرقا إلى الشام كثيرة ، وهذا الطريق المارّ بفردة هو أبعدها ، والذي حمل المتقدمين على القول بأن فردة بين المدينة والشام هو أن قريشا بعد أن انتشر الإسلام وقوي ، وحدثت وقعة بدر ، أصبحوا لا يستطيعون المرور إلى الشام مع الطريق الذي اعتادوا السّير عليه ، قال الواقديّ (١) وغيره من علماء التاريخ ـ : كانت قريش قد حذرت طريق الشام ، وخافوا من رسول الله وأصحابه ، وكانوا قوما تجّارا فقال صفوان بن أميّة : إن محمدا وأصحابه قد عوّروا علينا متجرنا فما ندري أين نسلك؟ وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا ونحن في دارنا هذه ما لنا بها نفاق ، إنما نزلناها على التجارة. قال له الأسود بن المطّلب : فنكّب عن الساحل ، وخذ طريق العراق ، فقال : لست بها عارفا ، قال أبو زمعة : أنا أدلّك على أخبر دليل بها ، يسلكها وهو مغمض العين .. فرات بن حيّان العجليّ. فأرسل إلى فرات فجاءه فقال : أنا اسلك بك في طريق العراق ، ليس يطأها أحد من أصحاب الرسول ، إنما هي أرض نجد وفياف. قال صفوان : فهذه حاجتي ، أما الفيافي فنحن شاتون ، وحاجتنا إلى الماء اليوم قليل. وخرجوا على ذات عرق.
أي إنهم سلكوا طريق الحج العراقي حتى قربوا من الجبلين ، ثم انحرفوا ذات اليسار ، وأخذوا طريق الشام .. في غرب الجبلين التي تعرف قديما بالجوشية (٢) وهي تمرّ بفردة الواقعة بأعلى ديار طيّء.
__________________
(١) كتاب «المغازى» للواقدى ص ١٩٧ طبعة اكسفورد.
(٢) انظر وصفها فى العرب السنة السابعة ص ٥٦٥ وفى (الجوشية) من هذا الكتاب.