و (التعافي) تفاعُلٌ ، منه ، وهو أن يعفُو بعضُهم عن بعض.
وأما : «(تعافَوْا) الحدودَ فيما بينكم» ، فالأصل : تعافَوْا عن الحدودِ ، أي لِيَعْفُ كلٌّ منكم عن صاحبه ، إلا أنه حُذِف «عَنْ» وأُوصِلَ الفعلُ ، أو ضُمّن معنى التركِ فعُدّي تعديته. وقد جعل صاحبُ المقاييس (١) هذا التركيبَ دالاً على أصلين : تَرْكٍ وطلَبٍ ، إلا أن (العفو) غلَب على تَرْك عقوبةِ من استحقَّها ، و (الإعفاءُ) على الترك مطلقا ، منه : إعفاء اللحية وهو تَرْك قطْعها وتوفيرُها ، وقولهم : «أعفِنى من (٢) الخروج معك» أي دعْني عنه واتركني ، ومنه حديث محاكمة عُمَر رضياللهعنه وأُبيّ بن كعب إلى زيد بن ثابت في الحائط : «وإن رأيتَ أن تُعْفي أميرَ المؤمنين من اليمين فأعْفِه ، فقال أُبيّ : بل نُعْفيه ونُصدّقه».
ومن رَوى : «أو عَفوْتَ أميرَ المؤمنين عن اليمين» فقدْ سها.
وقولهم : (العَفْو) : الفضلُ ، صحيح ؛ لأن الشيء إذا تُرِك فَضَلَ وزاد. ومنه حديث علي رضياللهعنه : «أُمرنا أن لا نأخُذ منهم إلا العَفْو».
وخُذْ ما صَفا وعَفا : أي فضَل وتسهَّل ، ومنه قول عمر بن عبد العزيز : «ولعَمْري ما البَراذِينُ (١٨٤ / ب) بأعفَى من الفَرس فيما كان من مَؤونةٍ وحَرْسٍ» يعني ليس هذا بأسهل مَؤُونةً من ذاكَ.
واختُلِفَ في تفسير قوله تعالى (٣) : «فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ (٤)» : فأكثرهم على أنه من العَفْو خلافِ العقوبة ، وأن معناه : فمن عُفِي له من جهة أخيه شيء من العَفْو أي بعضُه بأن
__________________
(١) مقاييس اللغة لابن فارس ٤ / ٥٦.
(٢) كتب تحتها في الأصل : عن.
(٣) كلمة «تعالى» ليست في الأصل ، وهي مثبتة في ع ، ط.
(٤) البقرة ١٧٨.