وصل هؤلاء من القاهرة إلى مدينة الصالحية فى اليوم الرابع ومكثوا فيها وانتظر جميع الجند مقدم الباشا لأنه إذا ما تجاوز الباشا غزة فإنه يعبر صحارى العريش والقطية وأم الحسن وكلها صحارى مجدبة موحشة والعياذ بالله.
إلا أن مسلم الباشا مضى من الصاحية إلى العريش ومعه الهدايا مع ألف من فرسان كاشف الشرقية والشهر حواله لتقديم هداياهم إلى الباشا.
وفى تلك الليلة أقام كاشف الشرقية وليمة للباشا وغادر الباشا العريش فى تلك الليلة ووصل إلى جسر () (١) فى ست ساعات واستراح الباشا فى ذلك المكان وقدم عليه فى هذا الموضع كتخدا الجاويشية ورئيس المتفرقة ورئيس التراجمة وكتخدا القائم مقام ومعهم كل هداياهم والتقوا بالباشا وقدموا له هداياهم وقبلها.
إلا أن رئيس الانكشارية ظل فى الصالحية وفى ذلك الوقت تناول الباشا الفطور ثم تابع سيره إلى الصالحية وعندما اقترب منها وقف رئيس شاويشة الانكشارية مع مشاة الملازمين وقبلوا الأرض فالتفت إليهم الباشا وتقدموا نحوه ومضى رئيس شاويشية الانكشارية مترجلا وفى قدمه حذاء أحمر وحول خصره حزام. إلا أن عبدى باشا كبير الملاحين والذى كان بلغ من الكبر عتيا سمح له بركوب الجواد ولم يكن هذا بصفة رسمية وإنما بصفة ودية ولكنه اعتذر قائلا : إننا فى فرقتنا فى الأستانة كنا نخاف من ركوب الخيل.
فقال الباشا أنا الوزير المعظم لقد كنست بنفسى ضريح حاجى بكتاش ولى قبل أربعين عاما ولقد أذنت لك فامتط صهوة الجواد.
وعندئذ كان من اللازم أن يقبل ركبة الباشا ولقد أنقذنى فى مصر كونى من مسنى فرقتى ولكى لا يتهمونى بخرق القانون التمست العذر ، وركب الشاويش الجواد بمساعدة ستة من الجند وأراد الباشا أنى تفكه فقال له لقد تقدمت فى السن بحيث لا تستطيع ركوب الخيل إلا بمساعدة سبعة من الرجال. فرد على الوزير قائلا : ولكن ليس بمقدور عشرين من الرجال أن ينزلونى عن جوادى. فضحك الباشا ومنحه أربعة وسبعين دينارا من ذهب وعلى هذا النحو دخل الباشا مدينة الصالحية فى موكب عظيم ونزل فى سرادق عظيم وجلس على كرسيه وكان ذلك أول جلسة للديوان يعقدها فى هذا السرادق. واستمع الباشا إلى بعض القضايا الهامة وفصل فى بعض المنازعات.
__________________
(١) بياض فى الأصل.