(الفصل الثلاثون)
موكب جند مصر
مروا موكبا موكبا يفصل الموكب عن الآخر زينات من القناديل والمشاعل ، ومرت كل فرقة وفيها شعراء ومغنون وعازفون. وبعد مرور موكب المصريين على هذا النحو مر أغوات الباشا وهم فى كامل زينتهم وأبهتهم متحازين ، وجنائب الباشا وملازمو الانكشارية من ذوى الطوغين ، وشطار الباشا وعلى رءوسهم الخوذات ، وسقاءوا ركاب الباشا وفى معيتهم المحتسب أغا الذى امتطى جوادا مطهما عليه سرج محلى بالجواهر وكان يلوح بالسلام على جانبيه ، وفى أثره مضى كتخدا بوابى الباشا وأربعمائة من غلمان قصر الباشا وسط عزف الفرقة العسكرية ذات التسعة صفوف ، وبعد ست ساعات وصل الموكب العظيم إلى قصر القاضى عسكر وأطلقت فرقة المدفعية طلقة واحدة تحية وابتهاجا وصفق جاويشية ديوان مصر. ثم تقدم القاضى عسكر وتبوأ مكانه فى المجلس. وبعد تقديم القهوة وماء الورد وإحراق البخور ألقى المحتسب أغا كلمته ترحيبا بالقاضى عسكر أفندى فقال :
«إن مولاى صاحب الدولة يقرأ عليكم السلام. هل هذه الليلة المباركة ليلة رمضان؟
وهل غدا غرة الشهر المبارك أم يوم الشك؟ أننوى الصيام؟ أفدنا يا مولاى حتى نرسل هذه الجموع من الجند حاملة البشرى لسلطاننا بحلول شهر رمضان المعظم». وعندما انتهى المحتسب أغا من إلقاء كلمته قال قاضى العسكر أفندى : «ليحضر فى التو شيوخ الإسلام على المذاهب الأربعة» وعندئذ تقدم نحو القاضى عسكر جميع العلماء والصلحاء وشيوخ الإسلام.
وإن كان الهلال ظهر فإن ذلك يثبت ويقيد فى سجلات القاضى عسكر ، ويسلم المحتسب أغا حجة شرعية فيها أن غدا هو غرة رمضان. فيرسل المحتسب أغا والكتخدا البشرى إلى الباشا ويقرأ الباشا الحجة الشرعية وينوى الصيام بناء على ما ورد فيها. وتضاء القناديل أول ما تضاء فى منارة جامع الدهيشة فى ميدان قصر الباشا ومن بعد فى منارات جامع قلاوون وتطلق المدافع فى القلعة فى منتصف الليل أربعين طلقة أو أكثر