قائمة الکتاب
إعدادات
الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه [ ج ١ ]
الرحلة إلى مصر والسودان والحبشه [ ج ١ ]
تحمیل
ذكر الميزات الحسنة لمصر
لقد قمت بسياحتى ولم أذكر إلا ما تأكدت منه اعتقادا جازما.
ويفيض النيل المبارك وتجرى مياهه فى ٧٠٠٠ خليج ، و ١١٠٠٠ ترعة فى مصر وسوف أذكر كلا منها فى حينه بمشيئة الله تعالى ، وتجرى مياه النيل فى تلك الترع وتروى أراضى مصر الزراعية. والمطر لا يهطل فى إقليم مصر إلا مرة أو مرتين فى العام. وما لم يفض النيل والعياذ بالله وقع القحط وغلت الأسعار ، ومن هنا كان سر الاحتفاء بقطع النيل وفرط السرور به. ولو لا النيل لكانت مصر جزيرة قاحلة.
وإذا ما جاء النيل على ما يرام أصبحت جميع ولايات مصر بحرا. والقرى فى مصر سواء كانت أوقافا لمكة والمدينة أو كشوفية أو تابعة لملتزم أو أمين والقصبات والمحلات والكفور فعددها () (١) وجميعها تقع على أرض مرتفعة وكأن كلا منها جزيرة داخل النيل الذى يشبه البحر وتبقى النخلات مرتفعة الرأس فى ماء النيل.
وقد أقيمت مملكة مصر وفق علم الهندسة لأن بين كل قرية وأخرى مسافة يسمونها «ملاقى» ، وحيثما يطغى النيل على تلك الوديان أقاموا جسورا من التراب للمضى من قرية إلى قرية. والسد منها يرتفع بمقدار خمس أو عشرة قامات ، وحينما يفيض النيل يعبر الناس على هذه الجسور بخيلهم وحمرهم ، وإذا ما بلغ النيل هذه السدود وامتلأت به روى الأرض عشرة أيام ، بعد ذلك تفتح هذه السدود ويجرى النيل إلى واد آخر وتصبح مياهه وكأنها البحر ويروى أرض بلد آخر ، وتلافيا لوقوع النزاع بين الناس على ماء النيل يرسل الحاكم طائفة من جنوده مدججين بالسلاح لإجراء ماء النيل من قرية إلى أخرى لريها ، وما لم يوجد أحد من قبل الحاكم نشب القتال بين البدو والفلاحين.
وفى بعض الجهات قناطر أو جسور يجرى النيل من تحتها. ويسمون النيل إذا دخل قرية ترعة كذلك ، ويجرى ماء النيل فى هذه الترع ويروى أراضى الولايات.
وأرض مصر كلها فروع من النيل وخلجان وترع وبرك شقها مهندسو الكهنة بفضل تعاليم النبى إدريس عليهالسلام. وهذا كله ما يستحق المشاهدة.
__________________
(١) بياض فى الأصل.