وعند قطع النيل فى رأس العام الحالى وفى السنة الماضية تسلم جميع الكاشفين والأمناء والملتزمين المحاصيل من القرى بتمامها ، وعندما سلموها زالت عنهم سلطتهم وصلاحيتهم وعين مكانهم نائب ، ثم عين لكل كاشف أغا لدى الباشا. وعندما دعى جميع الكاشفين للحضور فى ديوان مصر أهدى كل أغا قدم على الكاشفين أربع آلاف پاره وجوادا مطهمّا وإذا كانوا قد أعطوا أكثر من ذلك فهو كرم من الكاشفين.
وعزل الكاشفين فى رأس السنة القبطية ، وبذلك اليوم يبدأ الاحتفال بمولد السيد البدوى الذى يدوم خمسة عشر يوما بلياليها وسط جو من الصخب والضجيج. إنه مولد جد عظيم ، بالمشاهدة حقيق.
وإذا ما أفلس أحد الكاشفين أو الأمناء أو الملتزمين فر من الأغا الذى جاء لاستدعائه بأمر الباشا ولجأ إلى تكية أحمد البدوى معتصما بها. ولو قدم الملك بنفسه للقبض عليه لما استطاع إلى ذلك سبيلا. وإذا ما حاول أحد إخراج هذا الرجل من التكية بالقوة شلّ ساعده. ومن فى هذه التكية من علماء وشيوخ ومتصوفة ، لا يسلمون لصا ولا مفلسا ولا قاتلا ، إلا أنهم يطيعون أولى الأمر من الحكام. أما الكاشف الشريف فيذهب إلى الديوان ، ويحاسب ويدفع ما فى ذمته من مال السلطان ويحظى بخلعة.
ذكر الأفعال الشائنة فى مصر
أما من أفلس من الكاشفين طرح فى سجن ديوان الغورى ، وتعرض لعذاب مهين يندى له جبين من غلب على طبعهم الحياء ، ويهلكون خجلا من قبح ما يتعرض له الكاشف المفلس من عذاب. ويباع كل ما يملكه فى المزاد ويخلو وفاضه. وإذا ما أدركت الوزير الرحمة له ، خلع عليه خلعة فى العام المقبل وأعاده إلى منصبه ، فيطيب خاطره.
وتصبح الولاية كأنها بحر طيلة ستة أشهر بتمامها بسبب قطع النيل ، ولا يستطيع الكاشفون مباشرة أعمالهم طيلة ستة أشهر بتمامها ، ويرسلون من ينوب عنهم يعاونه خمسمائة أو ستمائة رجل بسفنهم.
وفى ذلك الوقت يكون الفلاحون وكأنهم تنين ذو سبعة رءوس ويقعدون عن العمل ولا مال لهم من الأرض التى زرعت. فيركب مجرموهم سفنهم وينتقلون من ولاية إلى