وأطلقت القذائف النارية من أنواع وألوان شتى فى حضور الباشا وبمرأى ومسمع من المزدحمين من الناس وكأنهم الخضم ، واستمر ذلك حتى مطلع الفجر ، وكانت بعض القذائف التى أطلقت تغوص فى جوف النيل سبع أو ثمان مرات ثم تخرج من موضع آخر ، وتسبح فى ماء النيل كالغواصين ثم تظهر ثم تغوص ثانية ، وأطلقوا قذائفا من قلاع من ورق وكأن حرب دائرة الرحى ، وأظهروا صورا للقساوسة واليهود والفرنجة والقزلباش وكأنهم يتقاتلون ، كما أظهروا أشكالا للخيول والحمر والخنازير والجن والشياطين ، ثم جاءوا بحمر وكلاب وعلقوا فيها القذائف وأضرموا فى تلك القذائف النار فانطلقت هذه الحيوانات بين الناس الذين قدموا لمشاهدة العروض فاختلط حابلهم بنابلهم وأصبح مشهدا مثيرا للضحك.
وجميع أنواع الألعاب النارية الخاصة بالفرنجة صنعها مهرة الصناع المصريين وعرضوا عجائبها بمناسبة الاحتفال بقطع النيل.
وبإطلاق هذه القذائف أصبح الليل المظلم نهارا منيرا ، وتحولت الليالى أيام عيد وابتهج أهل مصر كبارا وصغارا سبعة أيام بلياليها فى مصر القديمة ، واستأجر بعض الناس جواسقا على ساحل النيل نظير مئات القروش فى اليوم الواحد وأطلق بعضهم القذائف عمدا على المنازل فشتتوا أهلها.
وجملة القول أن الفرنجة وإن كانوا اخترعوا الألعاب النارية فإن المصريين قد أتقنوها إتقانا يبعث على الإعجاب وهم لا نظير لهم فى هذا المجال فى أرجاء الأرض. ولم أشاهد فى بلد آخر غير مصر هذه الألعاب النارية وفى مصر يعرضونها ليل نهار ، ونارها مثل نار النمرود وأطلقت قذائف بمائة ألف قرش.
وأطلقت آلاف القذائف من مئات السفن والقوارب الموجودة فى النيل ، ويبلغ ثمن كل قذيفة خمسمائة قرش أو أكثر ، ومن المؤكد أنه ينفق على هذه الألعاب النارية مئات الآلاف من القروش.
ومرت جميع السفن أمام الباشا وكأن حربا ضروسا بينها ، وقد زين البكوات جوانب قواربهم بكل ما هو نفيس وأطلقوا المدافع والبنادق وعزفت موسيقاهم العسكرية وأدوا