وفى تلك الليلة نعم الباشا بالراحة والاستجمام فى قصر أم القياس.
وازدانت ألف سفينة فى النيل عند مصر القديمة بما لا يحصى كثرة من القناديل التى بددت ظلمة الليل وأصبح نورا قائما فى الظهيرة ، وقام وكيل خرج الباشا بتزيين قصر أم القياس بالقناديل فأصبح وكأنه كمصباح قصر الجنان.
ونفخ فى المزامير وقرعت الطبول فى كل الأرجاء إلى مطلع الفجر وعمت الضوضاء والضجيج جميع مناحى القاهرة. وفى كل ساعة كانت تطلق مئات الآلاف من طلقات المدافع والبنادق وغنت الأرض والسماء وتحولت جميع البيوت فى القاهرة وجميع القوارب والسرادقات والخيام إلى مجالس أنس يغنى فيها المطربون ويعزف فيها العازفون وكأنها مجالس السلطان حسين بيقرا. وعمت البهجة والمتعة والصفاء كل الأرجاء.
وصف القائمين بالألعاب النارية المهرة
وصلت طائفة اللاعبين بالقذائف النارية (الفشنك) أى أتباع ابن سينا بالقوارب إلى قصر أم القياس حيث مجلس الباشا ، وقدموا فصلا من الألعاب النارية ووصلت قذائفهم إلى عنان السماء ، وأثناء هبوط هذه القذائف من السماء كانت تنبثق منها عدة مئات القناديل وكأنها الشهب فتنير الأرض.
وثمة نوع من القذائف يسمى «صراخى» وهذا النوع يتكون من ثلاث أنابيب وينطلق إلى السماء على ثلاث دفعات ، ففى البداية تنطلق قذيفة تحمل أوقيتين من البارود فتبدوا وكأنها نجم صغير ويتصل بهذه القذيفة قذيفة أخرى فتشتعل من نار القذيفة الأولى وتسقط القذيفة الأولى على الأرض بينما تتابع القذيفة الثانية انطلاقها إلى عنان السماء.
وعندما توشك على الإنتهاء تشتعل القذيفة الثالثة وتسقط القذيفة الثانية على الأرض وتظل القذيفة الثالثة مشتعلة وكأنها شجرة بلوط تتمزق قطعا قطعا ، فتقول الملائكة جميعا اللهم اكفنا شر الإنس ويستعيذون بالله.
إنها صناعة عجيبة وغريبة. وثمة نوع آخر من القذائف النارية يصعد إلى عنان السماء وينبثق منها فى الجو أربعون قذيفة أو أكثر ، وقد انطلقت قذائف من هذا النوع فى الجو وهبطت إلى الأرض منها أربعون أو خمسون كأنها غضب من الله ، وأحرقت ما صادفته وشتت حشود الناس.