وهذا التقرير يذيل بخاتم شيخ أم القياس وتوقيعه ويرسل إلى الباشا ويدفع عنه القائم بخزانة الباشا دينارا من ذهب عن كل يوم.
وعلى هذا النحو عندما يفيض النيل يوما بعد يوم عقب سقوط النقطة يعم السرور والبهجة مصر ، ويوزع وزير مصر وجميع الأمناء والملتزمين والكاشفين الصدقات والنذور.
ولأن الكثرة الكاثرة من أهل القاهرة أمناء وملتزمون فهم ينتظرون فيضان النيل المبارك ، وإذا لم يفض اللهم عافنا وقع القحط والغلاء.
وإذا ما سمع عن ارتفاع منسوب النيل ، فلشيخ أم القياس فى الحوض عمود ارتفاعه ثلاثون ذراعا عليها علامات مدرجة بين كل منها نحو أصبع فينظر إليها الشيخ ، ويكتب سندا فى كل صباح فيمضى به شيخ طاعن فى السن إلى الباشا ، ويدخل حتى حرم الباشا ويدخل عليه فى أى مكان كان فيه قائلا : السلام عليك يا وكيل السلطان الوالى حفظك الله وسلمك زاد النيل المبارك هذه الليلة ـ بأمر الله بمقدار () (١) ذراع ، و () (٢) أصبعا ، فينال دينارا من ذهب.
ويحاط الباشا علما على هذا النحو طيلة أربعة وثمانين يوما بالتمام.
وتحت إدارة المنادى الذى يأتى إلى الباشا ثلاثمائة وستون شخصا ، وكل منهم يمضى إلى كل حى أو كل حارة وينتشر هؤلاء المنادون فى أرجاء مدينة القاهرة ، ولكل منهم منطقة خاصة به لا يتجاوزها لأن لكل واحد منهم من كل منزل عوائد يحصل عليها ولذلك لا يتجاوز أى من هؤلاء المنادين وإذا جاء مناد آخر وقع صاحب المنزل فى الحيرة ، ولا يعرف لمن يسدد العوائد أو الفوائد ، ولتلافى وقوع مثل ذلك يلتزم كل مناد بالمنطقة المحددة له.
وعلى الرغم من أن هؤلاء المنادين من صباح الوجوه مكحولى العيون يحملون عصيا ، وإن لم يكونوا طاعنين فى السن إلا أنه يتعين عليهم حتما أن يحملوا عصيا.
ويعاون كل مناد ثلاثة أو أربعة من أبناء العرب صباح الوجوه يلفون الشال متعدد الألوان كالأصفر والأحمر والأخضر حول رقابهم ، وعندما يمرون بأى باب يقولون :
__________________
(١ ، ٢) بياض فى الأصل.