وعندما كان (سليم كتخدا) رئيسا للجاويشية أنفق مثل كل هذه النفقات ، لأنه كان يقدم الطعام كل يوم فى مائتى صحن فى حدائق الروضة ومصر العتيقة وأم القياس إلى جماعة الأوداباشية.
وبعد الفراغ من هذه الولائم يرفع الدعاء والثناء ، فيتدفق ماء النيل المبارك من جوانب الحوض الأربعة ، وحيثما يجرى النيل فإن ماءه يأتى إلى حوض أم القياس.
وبعد عشرين يوما من تطهير هذا الحوض مما كان فيه من مياه ، يخطرون الباشا بأن النقطة سوف تسقط فى هذه الليلة فيبتهج ابتهاجا لا مزيد عليه فيأمر وكيل الخرج بأن يقيم ولائم عظيمة فى أم القياس يومين وليلتين ، ولا يحضر هذه الولائم العلماء والصلحاء والسادات والمشايخ العظام ولا غيرهم من طوائف الجند ، بل تقتصر هذه الولائم على ناظر أم القياس ، وكتخدا الجاويشية ، ورئيس المتفرقة وأغوات الفرق السبع ، والترجمان باشى. وبعد الفراغ من تناول الطعام يمضى الجميع ، ولا يبقى إلا أغوات الباشا والترجمان باشى لأن الباشا هو صاحب الوليمة إلا أنه لا يحضر ، وضيافة ما بعد العصر والصباح يقيمها الترجمان باشى ، وفى تلك الليلة يتلى المولد النبوى الشريف وتزين أم القياس بما لا يحصى كثرة من القناديل ، والشمع الكافورى ، ويحيى العلماء هذه الليلة حتى مطلع الفجر ، وفى تلك الليلة يشاء الله أن تسقط النقطة فى النيل ، وسقوط النقطة هو أنه بعد تطهير حوض أم القياس يبقى فيه ماء قليل ، ثم يظهر ماء كطمى فى حمرة الدم ويسقط ، وتتعالى أصوات جميع العلماء بحمد الله ، وتتلى آيات الذكر الحكيم طيلة يومين وليلتين ويتلى الختم الشريف مائتى مرة ، وعندما تسقط النقطة يجلسون على الجوانب الأربعة للحوض ويفرغون من تلاوة الختم الشريف ، ويدعو الشيخ السادات الله ويثنى عليه ، ويصبح كمن أخذت منه الدهشة كل مأخذ ، ويقوم وكيل خرج الباشا بنحر مائة أضحية ، يوزعها على العلماء ، كما يخلع على بعض المشايخ والسادات وشيوخ البكرية ثيابا من الصوف ، ويسجل القاضى لحظة سقوط النقطة ويقيدها فى سجل شريف ، ويزف البشرى إلى الباشا أحد شيوخ مناديى النيل فينال منه قباء من صوف أبيض ، وسبعين أو ثمانين دينارا من ذهب.