الفصل الرابع والأربعين
ذكر قطع النيل الذى يهب مصر الحياة والثراء
إن ما يعرف بقطع النيل هو أنه لما كان ماء المطر لا يكفى أقاليم مصر حسبما جرى قضاء الله ، ولذلك شق كهنة مصر قديما ـ بفضل من معجزة إدريس وسعة علمه بالهندسة ـ من النيل ترعا وخلجانا من المناطق المرتفعة من النيل المبارك ، وبذلك أجروا ماءه من ولاية إلى ولاية ، وبعد أن يروى أراضى مصر بتمامها يزرع الناس على الطمى الذى جلبه ماء النيل ، ويحصدون المحاصيل بعد سبعين يوما من الزراعة ويقتاتون بها.
وتلك حكمة الله التى تجرى مجرى العادة ، فالمياه تفيض فى كل أنحاء الدنيا فى شهر يوليو من كل عام أما هذا النيل المبارك فى يوم () (١) من شهر أغسطس الموافق يوم () (٢) بالتقويم القبطى ، ويسمونه غرة شهر توت ، وهى أيام مراسم تقليدية سيئة حيث يتمنطقون بالزنانير ويلبسون ثيابهم المهملة ، ويضرمون النار فيها ، ويبتهجون باشتعالها.
وفى تلك الأيام يشاء الله أن ترتفع مياه فيضان النيل ، وتسقط النقطة أى يحمر النيل حمرة قانية ويصبح وكأنه بحر من الحمأ ، إلا أنه لا يفيض دفعة واحدة وإنما خلال سبعين يوما بتمامها ، وبعد ذلك قطع النيل ، ويسمون فيضانه قبل سبعين يوما (النقطة).
أوصاف نقطة النيل المبارك
قبل شهر توت القبطى بسبعين يوما ينوب كبير جاويشية الانكشارية عن المحضر أغا فى رعاية أمور الانكشارية ، وعندما تقترب أيام النقطة المذكورة يأذن الباشا للجاويش المذكور فيمضون لتطهير حوض أم القياس ، لأنهم مكلفون بتطهير هذا الحوض منذ صدور قانون السلطان سليم. وهم إن لم يطهروا حوض أم القياس لن يعلم مقدار ارتفاع النيل ، وكل من فى القاهرة من السقائين الذين يحملون القرب على ظهورهم يجتمعون فى أم القياس ذلك اليوم لكسح حوض أم القياس. وإذا لم تبق فيه قطرة ماء يدعوا جاويشية الانكشارية كل يوم فرقة عسكرية من الفرق السبع بكل من فيها من شيوخ وشباب ، وتبسط الولائم
__________________
(١ ، ٢) بياض فى الأصل.