ومن أجل أن يشاهد أعيان مصر (كسر النيل) أقاموا قصورا متعددة الطوابق والقاعات والمظلات ، وحدائق ، ونافورات وأحواضا ، فكأن هذه القصور قصور فى إرم ذات العماد يعجز عنها الوصف. ومنازل الأثرياء والفقراء كبيرها وصغيرها ٤٦٠٠ منزل ، ولوقوعها على النيل لها مرافئ ، وتأتى إليها ١٠٠٠٠ سفينة كبيرة وصغيرة من بلاد الفونج ، وولايات صاى والنوبة والواحات وترسو هذه السفن على ساحل مصر القديمة ، وتسلم إلى الحكام.
وفى عام ٢٥ كان بمصر القديمة هذه ٣٦٠٠٠ مسجد ، و ٨٠٠٠ شارع مزدحم ، و ١١٧٠ حماما خاصا وعاما ، و ١٠٠٠٠٠ حانوت.
وفى عام ٤٢٨ نشب القتال بين عبيد المستنصر بالله الفاطمى فى مصر ، وهلك الجند قاطبة وفى هذا العام أصاب مصر قحط عظيم ، وغلت الأسعار وتفشى الطاعون ، فأقبل جميع أهل الفسطاط على المستنصر بالله أبى تميم سعد بن الظاهر الأعز لدين الله أبى الحسن على ، وهو أحد صفوة الفاطميين ، وتقدموا إليه بالشكوى. فوجه المستنصر بعشرة رجال من أهل الفسطاط إلى القسطنطينية لطلب المدد (أى الغلال) من الأمير أرطوغرول أمير أحد الثغور التابعة للسلاجقة ، فمضوا إلى مدينة (آبا صولون) ، بيد أن المستنصر توفى وسفن الغلال فى طريقها إلى مصر ، فارتدت هذه السفن إلى بلاد الترك ، وتخربت مصر وأصبحت خاوية على عروشها. ولكن وجه ببعض الرجال إلى أرطغول ليطلب من القيصر الغلال لمصر ، كما بسط أرطوغرول رجاءه إلى القيصر بأن يسمح له بأداء صلاة الجمعة فى دير آيا صوفيا مع الرسول الذى قدم من مصر ، والتقى هذا الرسول فى ثلاثمائة من رجاله بقسطنطين ، وأجيب إلى رجائه ، وأدى صلاة الجمعة هو ورجاله فى كنيسة آيا صوفيا ، وقرؤا الخطبة باسم القائم بأمر الله الفاطمى.
إلا أنه قبل أن تصل الغلال إلى مصر ، تحت وطأة المجاعة ، فتح القائم بأمر الله (كنيسة القيامة) فى بيت المقدس ، وتنامى إلى سمع الملوك والقياصرة أنه غنم ما يعادل مائة خزانة مصرية ، فأبحرت ألف سفينة من سفن الصليبيين من سلفاك وأغارت على قلاع الإسلام فى طرابلس الشام وبيروت وصيدا وعكا والرملة وأحكموا سيطرتهم عليها