وسألت كبير
الأطباء ثانية : ماذا أنتم صانعون بجلود وأحشاء وأكباد وبيض هذه الثعابين بعد
تمليحها ووضعها فى أوعية بها ماء الملح!.
فقال كبير الأطباء
: ماذا تقصد بسؤالك هذا؟ فكررت سؤالى.
فأجاب قائلا : إن
سفراء الفرنجة هنا يشترونها منا ويبعثون بها إلى أطبائهم فى بلاد الفرنجة ، وهم
يستخدمونها فى علاج جميع الأمراض كل عضو على حده ، ومفعول هذه الأدوية يسرى فى
الحال.
وبعد أن طهروا
الثعابين المملحة وضعوا كل اثنتى عشرة قطعة منها فى وعاء مبطن بالزجاج ثم وضعوا
هذه الأوعية فوق مواقد المطبخ فى أحد أركان حرم المستشفى وأشعلوا تحتها حطب شجر
السنط وأمسك كبير الأطباء فى إحدى يديه عصا وفى يده الأخرى ساعة ومعه الطهاة من
معاونيه وكل منهم ممن تبحروا فى الطب من تلاميذه الكمل ، ومهمة كبير الأطباء هى
مجرد مراقبة الوقت. وغليت الثعابين داخل الأوعية ثلاث ساعات حتى ظهرت زيوت صفراء
فوق هذه الأوعية فحمل كبير الأطباء ملعقة كبيرة فى يده وأخذ بعضا من هذا الزيت ثم
ملأوا زجاجات للقطرة كانت لديهم بهذه الزيوت ، وبعد أن أفرغوا كل ما فى هذه
الأوعية داخل الزجاجات أوقدوا النار تحت أوعية الثعابين للمرة الثانية. وليكن فى
معلومك أن الأوعية التى تطبخ فيها الأفاعى ليست من النحاس ، إنها ـ كما سبق أن
أشرنا ـ أوعية فخارية مبطنة من الداخل والخارج بالزجاج ثم حمل كبير الأطباء الزيت
الناتج من الثعابين بملعقة كبيرة ومزج هذا الزيت بأجود أنواع زيت صوصة فى بلاد
المغرب وهذا الزيت يشبه ماء الحياة وملأ زجاجة من خمس أوقيات من زيت الثعابين مع
خمس أوقيات من الزيت الخالص لمدينة صوصة ووضع هذه الزجاجات على نار هادئة ثم زاد
النار اشتعالا وبعد ثلاث ساعات رفعها فأصبح لهذا الزيت قوام السمن المصفى ورائحة
ذكية وهى رائحة يتنسمها الحضور على لذة.
وبعد أن عيل صبرى
سألت كبير الأطباء فقال : والله فى الهند تكثر أمراض الجذام والبهق والبرص وهذا
الزيت مناسب جدا لجو الهند ، وإذا دهنت أجسام المصابين بهذه الأمراض بهذا الزيت لم
يبق فى أجسامهم أثر لهذه الأمراض وابيضت بشرتهم ، إلا أن