الفصل الثانى والثلاثون
ذكر ما فى القاهرة من مبرّات توزع طعامها على الغنى والفقير
فضلا عما فى مصر ـ أم الدنيا ـ من مبرات ملحقة بالتكايا ففى كل جامع من جوامع سلاطين السلف وعددها سبعمائة جامع مبرة وعلى مر الأيام تخربت أوقافها وضمت أفدنتها وأرزاقها إلى المال الأميرى فخربت الكثرة الكاثرة منها. وتبقى من عهد الجراكسة مائة وخمسون جامعا ذات مصابخ ولكن لا يقدم فيها الطعام مرتين فى اليوم على الدوام كما هو الشأن فى مبرات اسطنبول.
وفى ليالى الجمعة وأيام المواسم تقدم آلاف الصحون. وفى القاهرة مبرات جارية النعم وأكبر هذه المبرات مبرة قصر الباشا وهى ذات مطبخ سلطانى عظيم ويقدم فيها ثلاثة قدور من الحساء صباحا ومثلها بعد العصر ويصيب منها جميع الناس شبابا وشيوخا أغنياء وفقراء.
مبرة السلطان قلاوون
تمد فيها الموائد للعوام والخواص والمعوزين فى اتصال ودوام : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) هود : ٦. وبعد أن تقدم آلاف الصحون إلى جميع المرتزقة تقدم عدة آلاف من قصاع العدس والحنطة إلى جميع الفقراء.
وفى ليالى الجمعة يوزع اللحم والأرز على الفقراء. ومع أن طعام الأئمة والخطباء والمشايخ يختلف عن طعام الفقراء إلا أن طعام الفقراء دائم ، فعلى باب المطبخ كتبت آية كريمة هى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) الذاريات : ٥٨.
وفى هذا المطبخ أربعون طاهيا وأربعون عاملا فى مخزن الأطعمة. وإذا ما توافد بعض الأعيان على هذه المبرة لمشاهدتها أحضر الطهاة الصحون القلاوونية والصينيات المنقوشة والأباريق لإكرام هؤلاء الضيوف. إنها خيرات عظيمة رحم الله صاحبها. وغيره من السلاطين ليست لهم مثل هذه النعم الجارية.
وعندما خرب الظالمون أوقاف المبرات أصبح المولد يقام مرة واحدة فى العام فى كل جوامع السلاطين ، ويوزع فيه الأطعمة ، إلا أن نظارها كانوا يعينون لخدام الجوامع أثمان اللحم والخبز والشمع ويحسبونها من صدقات الأوقاف.
* * *