أزهر الذى جاء من بلاد المغرب بآلاف الأكياس من المال واستأذن من الخليفة الإخشيدى فى طرح أساس هذا الجامع ، وكان جملة خدامه يزيدون على عشرة آلاف وكلهم من المغاربة. ولما اقترب بناء الجامع من التمام قدم المعز لدين الله من المغرب غازيا ودخل مصر بغتة وتسلح كذلك المغاربة الذين قدموا بحجة بناء الجامع الأزهر. وانتزع المعز لدين الله الفاطمى مصر من يد الإخشيديين وأصبح ملكا مستقلا عليها.
وعمّر المعز لدين الله الفاطمى الجامع الأزهر بحيث جمع فيه علماء الدنيا بأسرها وكان يقدم فيه الطعام لبنا وتمرا وسكرا. وإلى هذا الوقت لم يكن فى القاهرة وقف عظيم كهذا. ولقد سمى الجامع الأزهر باسم من بناه وهو هذا المملوك أزهر. إلا أنه بنى من صلب مال المعز لدين الله ولهذا السبب ملك مصر. وليس فى القاهرة جامع يؤمه كثرة من المصلين كالجامع الأزهر ويرجع السبب فى ذلك إلى وقوع الجامع فى قلب القاهرة حيث لا يخلو موضع فيه ليل نهار من ساجد ففيه ليل نهار اثنا عشر ألف طالب علم ، ولهم دوى كدوى خلية النحل يبعث فى النفوس الرهبة ، وكلهم مشغولون بمدارسة العلم ، ولا يحرم من معرفة أصول الدين أحد يقف موقف التلميذ أمام أستاذه فيه. إنه جامع مبارك وبين الباب والباب مائة وسبعون قدما. ويدخل من باب المجلدين ويمر من الحرم الصغير ومنه الدخول إلى الحرم الكبير ، وحتى بلوغ المحراب تبلغ المسافة مائة وخمسين قدما وداخل الجامع مائة وعشرون عمودا من الرخام وعشرون عمودا منها لها قواعد مزخرفة وتقع هذه الأعمدة بين الجامع والحرم. إلا أن هذه الأعمدة صغار وكلها على أربعمائة رافد وكلها تحمل سقفا خشبيا أخضر اللون وليس للسقف قبة. وهو بنيان شاهق ليس من نوع بنيان سائر الجوامع الأخرى. ومن دخل هذا الجامع وجد روحانية لا يريد معها أن يخرج منها. وللجامع أربعة محاريب للمذاهب الأربعة ، وعلى المحراب الحنفى كتب قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) الحج : ٧٧. ومنبره من خشب كتب عليه بخط أبيض الآية القرآنية الشريفة : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) البقرة : ١٤٤. وفى هذا الجامع ألفا دولاب ، وعرض الدولاب منها قدمان