وثمة حديقة أخرى تحت حجرة بيرام باشا وأصلها كان مزبلة فى ارتفاع المنارة ثم حوله إبراهيم باشا إلى حديقة كأنها بستان فى بلاد العجم أو إرم ذات العماد. ويبلغ طولها خمسمائة قدم وعرضها مائتا قدم وفى داخل هذه الحديقة مجلس تحت قمرية يتوسطها حوض عظيم. ومن هذا الحوض يتدفق الماء فى قناتين إلى حوض آخر وخرير ماء الحوض يصيب الإنسان بالرهبة. ومن الفوارة يتصاعد الماء إلى ارتفاع منارة. وعنب هذه الحديقة ليس كمثله عنب فى مصر.
وكان تحت قصر آخر بناء إبراهيم باشا حديثا موضع للقمامة تحول إلى حديقة ، وكى لا يبقى أثر لهذه القمامة جمع كل من فى مصر من زبالين وحمّارة وحمّالة وعمال أجراء فحملوا منها مرتين فى أسبوع مائة ألف حمل جمل وحمار ، وأقيم أمام هذا الموضع سد عظيم ومهّد سهل وأمر سبعة آلاف وستمائة بستانى فى مصر بأن يزرع كل منهم شجرة ، وفى ثلاثة أيام أنشأت روضة كأنها روضة مدينة أصفهان نصف الدنيا وإليها تدفقت المياه من الأحواض فأصبحت حديقة إرم ذات العماد تحيط بقصر مصر من جهاته الأربع. وتحت مخدع بيرام باشا سلم يخترق سور القلعة ويهبط إلى الحديقة ويبلغ طول هذا السلم مائة وخمسين قدما وهو من الحجر. وكان بيرام باشا فى شهر رمضان يتناول طعام الإفطار فى تلك الحديقة. ثم شقّ منها طريق وأنشأت مقصورة فى ركن من أركان الحديقة تطل على ميدان «قواق» وكان جميع الجنود يسيرون فى هذا الطريق. وكان يكافئ من يطلق الرصاص أو يرمى السهام القرع. وميدان فواق هذا يبلغ فى الطول سبعمائة قدم وهو مفروش بالرمال. وقد ركز فى وسطه صارى سفينة وهو عال ضارب فى السماء وفى قمته كرة مذهبة وكان جميع الجنود يصوبون إلى هذه الكرة.
إنه موضع للفرجة ويطل على هذا الميدان قصر لمقصود باشا. والآن أقام «جان بولاد زاده حسين باشا» فى هذا الموضع عدة حجرات منقوشة وحماما لطيفا ، وجعلها دارا للضيافة للقادمين والذاهبين إلى «الأستانة» وبيت الضيافة هذا مذهب.