الفصل الحادى والعشرون
ذكر أول من بنى قلعة مصر المحروسة
وجميع من أقام المبرات وكل الأبنية العظيمة فيها
إن أوصاف مصر ـ عمرها الله ـ مدونة فى الآلاف من كتب التاريخ ولكنى أنا أوليا الرحالة قليل البضاعة وكثير السياحة دونتها فى اختصار. ففى هذه الدنيا الفانية كم من دول بقيت ، ومصر قدر ضئيل منها. وأول من بناها هو نقراوش بن غرباب بن شيث بن آدم وبعد الطوفان أعاد بناءها سيدنا حام بن نوح وابنه بيطر. وما بنى فى ذلك العصر هو مصر القديمة. وإن كانت مصر اسم جميع البلاد إلا أن اسم مصر أصبح علما لأن أحد بناتها نقراوش وقد سماه سيدنا آدم مصرايم ولذلك سميت مصر. أما اسمها الأول فى اللغة العبرية «مقدونيا» ، وفى اللغة السريانية «افسوس» ، وفى اليونانية «الفسطاط» ، وفى اللغة القبطية تسمى «مصرايم» ، واسمها بين الناس «أم الدنيا» ، وفى اللغة العربية تسمى «القاهرة المعزية» لأن المعز لدين الله القاهر خرج من بلاد المغرب واستولى عليها عنوة قهرا من أيدى الإخشيديين عام ٣٥٨. وكانت هذه المدينة فى الزمان الخالى عامرة وكان عمارها على شاطئ النيل بقدر مسيرة ثلاثة أيام. وقد اغتر فرعون بامتلاكه مصر وقال : (فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) النازعات : ٢٤ حاشا وكلا. وقد حارب سيدنا موسى عند موضع من بحر السويس يسمى مضيق «قولوندر» وقد غرق هناك وقد عصفت ريح قهر ببلاده وعرشه فى مدينة منوف ولهذا سميت القاهرة. وجاء بعده كثير من الملوك والسلاطين وعقدوا العزم على تعميرها وأعادوا بناء عرش فرعون فى منوف وهى مدينة صغيرة فى حجم القصبة.
وقد عمر الملك «طوطيس» وهو من أجداد الملك المقوقس مصر القديمة أى مدينة الفسطاط. ولما كانت فى حوزة القبط تحالف اليونان والفرنجة فى عام ٢١ وأثناء فيضان النيل المبارك استطاعوا دخول مصر فى ألفى سفينة شراعية من مضيق رشيد ودمياط وأغاروا على مدينة المنصورة حتى وصلوا إلى مصر القديمة ناهبين سالبين واستولوا على